هذه العبادة التي خلق العباد لها قد أمروا بها، وبينت لهم في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبعث الله بها الرسل جميعاً، وكان خاتمهم وأفضلهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد بعثه الله ليدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له، ومكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى توحيد الله، وطاعة الله، يأمرهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يخلعوا عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان والملائكة والأنبياء وغير ذلك.
فكان يقول: يا قوم! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فأجابه الأقلون، وأنكر دعوته الأكثرون، ولم يزل صابراً داعياً إلى الله عز وجل حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة، بعدما اشتد أذى المشركين له، ولم ينقادوا لما جاء به عليه الصلاة والسلام، فهاجر إلى المدينة ومكث فيها عشر سنين يدعو إلى الله، ويعلم الناس شريعة الله، وأنزل الله عليه القرآن العظيم بعضه في مكة وبعضه في المدينة وبينه للناس، وأرشد الناس إلى ما دل عليه القرآن، وبين لهم ما أوحى الله إليه في ذلك، فإن الله أعطاه وحيين: القرآن، والسنة: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1-2] أي: محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] ، فالله أوحى إليه القرآن، وأوحى إليه السنة، والسنة هي أحاديثه عليه الصلاة والسلام، وما بينه للأمة من شرع الله، فتلقى الصحابة رضي الله عنهم عنه هذا الدين العظيم -دين الإسلام- ونقلوه إلينا غضاً طرياً، وهكذا نقله التابعون عن الصحابة، وهكذا أتباع التابعين، ولم يزل أهل العلم ينقلون هذا العلم من جيل إلى جيل، ومن قرن إلى قرن، ويكتبون في كتب كثيرة، ويوضحون للناس دعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما بينه الكتاب العظيم -وهو القرآن- من دين الله.