الواجب على جميع المسلمين العناية بالدين، والتفقه في دين الله، والتبصر، وسؤال أهل العلم عما أشكل، والإقبال على القرآن والسنة الصحيحة، حتى يَفْهَم طالب العلم دينه ويكون على بصيرة ويُفَهِّمَه الناسَ من الجماعة الذين عنده من العامة في بلده، أو في قريته، في قبيلته بالبادية، وقد انتشر العلم الآن بالنسبة إلى وسائل الإعلام التي وُفِّقت لنشر الحق، كما قد يُنشر مقالات في صحف هذه البلاد وفي غيرها.
وهكذا ما يُنشر من طريق إذاعة القرآن في هذه البلاد، وما يُنشر من طريق برنامج (نور على الدرب) ، يُنشر فيه علم، وقد نفع الله كثيراً من الناس بهذا البرنامج، وبهذه الإذاعة؛ إذاعة القرآن.
وهكذا بالمقالات التي يكتبها العلماء في أماكن كثيرة؛ في مصر، والشام، وبلاد المغرب، وبلاد أوروبا، وبلاد أمريكا -ولله الحمد- بقايا من أهل الحق ينصرون الحق في أماكن كثيرة، وينشرون ذلك في الصحف السيارة المعروفة، وإن كانوا قليلين بالنسبة إلى أعداء الله؛ ولكن الله قد نفع بذلك.
والمطلوب هو الاستكثار من هذا الخير، وأن يتكلم من لا يتكلم، وأن يكتب من لا يكتب من أهل العلم والبصيرة، وألا يكتفي بهؤلاء، بل عليه أن يجاهد كما جاهدوا، وأن يكتب كما كتبوا، وأن يتتبع ما يُنشر من الباطل في الصحف السيارة والمجلات والإذاعات والتلفاز وغير ذلك مما يُذاع ويُنشر؛ يتتبعه، ويرد الباطل، وينشر الحق، ويصبر على الأذى في ذلك؛ وعلى التعب هذا هو الجهاد.
الدعوة إلى الله جهاد، والكتابة في سبيل الله جهاد، والتأليف في ذلك جهاد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) .
فالدعوة إلى الله جهاد، وكان حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يهجو المشركين بشعره رضي الله عنه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اهجهم، والذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل) اللهم صلِّ عليه وسلِّم، ويقول: (اهجهم، فإن روح القدس معك) أي: جبرائيل عليه الصلاة والسلام.
فهجاء المشركين بالكتابة وبالشعر الموافق للحق، وبالكلام في الإذاعات وفي الخطب، كل ذلك مما ينصر الله به الحق، وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها كلام خطابة ودعوة، ثم كتب عليه الصلاة والسلام للرؤساء والملوك؛ لكن أكثر دعوته عليه الصلاة والسلام كلها خطب وكلام، في المدينة وفي مكة، وفي غزواته، مع أفعاله التي هي دعوة إلى الله أيضاً؛ لأن فعله دعوة عليه الصلاة والسلام، ويتأسون به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، وسيرته، وقيامه وقعوده، ونومه ويقظته.
هكذا يجب على العلماء أن يتأسوا به عليه الصلاة والسلام؛ ولكن الله يسر لهم في العصور الأخيرة هذه الوسائل الجديدة التي تبلغ للناس في كل مكان، هذه الإذاعات، وهذه الصحافة تنتشر في العالم تنقل كلمتك، إن كانت حقاً نفع الله بها ما شاء سبحانه وتعالى في سائر الدنيا، وإن كانت باطلاً تضرر بها الكثير، تكتبها في الرياض، وتُتلى في أمريكا وأوروبا وفي كل مكان، تنشرها في مؤلف يُنقل إلى كل مكان، تقولها في إذاعة أو تلفاز ثم يُنشر إلى كل مكان، ليس من جنس الأول، الأول قد تكون كتابةً محدودةً في بلدك أو ما حولها؛ لكن الآن في اليوم الواحد، أو في الليلة الواحدة، أو في الساعة الواحدة تُقال الكلمة ويسمعها العالم، من هاهنا وهاهنا، فإن كانت في حق فيا لها من نعمة، وإن كانت في باطل فيا لها من جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالإنسان ينظر لحالة الناس اليوم، يخطب خطيب في أمريكا يسمعه الناس في كل مكان، يخطب خطيب في مصر يسمعه الناس، وفي مكة، وفي الرياض، وفي أماكن أخرى، بحق أو باطل، فيدعو إلى رشد أو إلى ضلالة يُسمع.
وأكثر الخلق مع الضلالة ولا حول ولا قوة إلا بالله أكثر الخلق مع الهوى، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] وأغلب الخلق مع باطلهم وأهوائهم وشهواتهم، ليسوا مع الحق.
فلا يصبر على الحق إلا أهل البصائر والعقول، وأهل النظر والتبصر والتدبر والتعقل، الذين يؤثرون الحق على الباطل، ويعرفون العواقب عن إيمان وبصيرة.
لكن أكثر الخلق مثلما قال الله جلَّ وعَلا: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] جعلهم أضل من الأنعام، بعض البهائم أهدى من بعض البشر، تنفع الناس، وتسلك طريقها في رعيها وفي غيره ولا تؤذي الناس.
أما أكثر الخلق فهم شر من الأنعام، لا ينفع بل يضر -نسأل الله العافية- وهذا فيه عبرة للعاقل أن يأخذ حذره حتى ينفع ولا يضر، إما أن ينفع الناس بكلامه أو فعاله أو ماله أو جاهه، وإما أن يقف فلا يضر الناس.
ومن البلايا والمصائب أنه قد يعمل، ويحسب أنه على هدى، ويحسب أنه يفيد وينفع وهو يضر الناس، كما قال الله سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103-104] .
هذه الخسارة العظيمة أن تبذل الأموال والأوقات وصنوف العمل فيما يضره ولا ينفعه، وفيما يُغضب الله عليه، ويصد عن الحق، فهذه خسارة عظمى، نسأل الله العافية.