ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الله أيضاً هدىً للناس ونوراً لمن تمسك بها، وبياناً لكتاب الله، وإيضاحاً لما قد يخفى من كتاب الله، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] .
وقال عزَّ وجلَّ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1-3] هو محمد عليه الصلاة والسلام: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] .
و {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [النجم:2] أي: محمد عليه الصلاة والسلام، {وَمَا غَوَى} [النجم:2] .
الضال هو: الذي يتكلم على غير هدى على غير علم.
والغاوي هو: الذي يخالف العلم، يعلم ولكنه يخالف العلم، كاليهود وأشباههم، وهكذا علماء السوء، يعرفون الحق ويحيدون عنه إلى الباطل إيثاراً للهوى، وإيثاراً للدنيا والشهوات العاجلة.
فالله نزَّه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن هذا وعن هذا، ليس بضالٍّ ولا غاوٍ، بل هو عالم ورشيد عليه الصلاة والسلام، عرف الحق، ودعا إليه، واستقام عليه، فجعله الله هادياً مهدياً، ورسولاً كريماً، منذراً للناس من الباطل، ومبشراً لهم بالحق: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45-46] عليه الصلاة والسلام.
فمكث ثلاثاً وعشرين سنة كلها دعوة إلى الله وتعليم وإرشاد بالقول والعمل عليه الصلاة والسلام، كلها جهاد وصبر بالبدن، واللسان، والسلاح.
مكث ثلاث عشرة سنة في مكة دعوةً وإرشاداً، وصبراً على الأذى، وتوجيهاً للناس إلى الخير بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام.
ومكث عشر سنين في المدينة، جهاداً بالسيف وباللسان وبالعمل، وتوجيهاً للخير، هو وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة.
فوجب على كل من يريد النجاة، وكل من تعز عليه نفسه، ويحب لها السعادة أن يلزم هذين الوحيين: كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يتمسك بهما، وأن يدعو إليهما، وأن يُعنى بحفظهما وتدبرهما، ونشر ما فيهما من العلم، والعمل بذلك، ودعوة الناس إلى ذلك.
وقد مَنَّ الله سبحانه على أصحابه الكرام فالتزموا بذلك، واستقاموا على الكتاب والسنة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجاهدوا في سبيل الله، وفتحوا الفتوحات، ومصَّروا الأمصار، وقاتلوا الروم وفارس وسائر دول الكفر وهزموهم، ونشروا الإسلام في بلادهم، وأخذوا الجزية ممن لم يسلم من اليهود والنصارى والمجوس، ودعوا إلى الله قولاً وعملاً، وصبروا على الأذى والجهاد، حتى أعلى الله بهم دينه، ونصر بهم كلمته، ونشر بهم الحق.
هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سار على نهجهم، ومن ساعدهم وشاركهم في هذا الجهاد العظيم، والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ.
ولم يزل أولياء الله وأنصاره في الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، حتى تغيرت الأحوال، وظهر في الناس من ليس منهم، ومن يدعو إلى الباطل، وحصل ما حصل من الانحسار وظهور أنواع من الباطل، حتى صارت الأحوال إلى ما هي عليه الآن من كثرة الشر، ودعاة الباطل، ونشاط دول الكفر، وضعف دول الإسلام، وعدم تحكيم الشريعة إلا القليل، فأغلبهم رضوا بالقوانين التي وضعها الرجال ووضعها أعداء الله، وزُهِد في شريعة الله، وانتشر في بلادهم الشر والفساد والباطل؛ لأسباب إعراضهم وتكاسلهم وتثاقلهم عن الحق، وعدم صبرهم على نشره والدعوة إليه وجهاد من خالفه، حتى وقع الباطل وانتشر.
فوجبت العودة إلى الأصل الأصيل، إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذان هما الأصلان اللذان جاهد عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهد عليهما أصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان.
ولا سبيل إلى السعادة والنجاة من الغزو الفكري وغير الفكري والنصر على الأعداء إلا بالتمسك بهذين الأصلين: - بكتاب الله.
- وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
والاجتماع على ذلك، والتعاون في ذلك، قولاً وعملاً وكتابةًَ وجهاداًَ وغير ذلك من أنواع العمل الذي ينصر الحق ويدعو إليه، ويدحض الباطل ويثبط عنه ويفضحه.