الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وأصحابه أجمعين وبعد: اختير لهذا اللقاء أن تكون المحاضرة عن السنة ومكانتها في الإسلام وأصول التشريع.
والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها، أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيماً، أمر الله بالرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم، وكذب به وجحده.
وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة: الأصل الأول: كتاب الله.
والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والأصل الثالث: إجماع أهل العلم.
وتنازع أهل العلم في أصولٍ أخرى أهمها: القياس.
والجمهور على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة.
أما السنة فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع الأمة الأخذ بها، والاعتماد عليها، والاحتجاج بها إذا صح السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة، على وجوب الأخذ بها والإنكار على من أعرض عنها أو خالفها.
وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة؛ بسبب تهمتها للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كـ الخوارج؛ فإن الخوارج كفروا كثيراً من الصحابة، وفسقوا كثيراً، وصاروا لا يعتمدون -بزعمهم- إلا على كتاب الله؛ لسوء ظنهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.