التحذير من الظلم وعاقبته

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) .

هذا يدل على أن الظلم والشح عواقبهما وخيمة والظلم هو العدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم، ولهذا حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا حذرنا منه في كتابه، فقال: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} [الفرقان:19] وقال: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:8] .

فالظلم عاقبته وخيمة، وشره عظيم، وأعظم الظلم الشرك بالله عز وجل، والكفر به سبحانه وتعالى، فهو أعظم الظلم: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] ، فأعظم الظلم وأقبحه الشرك بالله وسائر أنواع الكفر به عز وجل؛ لأن المشرك والكافر ظالم واضع العبادة في غير موضعها، فلما وضع العبادة في غير محلها صار من أظلم الظالمين.

ومن الظلم: التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض، إما بقتل أو بجرح وضرب، وإما بخيانة الأموال بالغش والخيانة والسرقة والغصب، وغير هذا من وجوه الخيانات.

وهكذا الرشوة كلها من الظلم، فالواجب على المؤمن أن يحذر أنواع الظلم كلها، ينبغي على المؤمن أن يكون في غاية الحذر من جميع أنواع الظلم.

ومن الظلم: أن تغش إخوانك في المعاملات؛ سواء كانت المعاملة بيعاً، أو إجارة، أو شركة، أو زراعة، أو مساقاة، أو غير ذلك من أنواع المعاملات، فالذي يجعل ظواهر الأمور غير بواطنها، ويغش الناس في الباطن وفي الظاهر ما يضرهم، هو ظالم وخائن للأمانة والعياذ بالله! وكذلك الأعراض: الغيبة والنميمة، والشتم والسب، كل هذا من ظلم الأعراض، فيجب الحذر، ويجب حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، والسباب والكذب، وغير هذا من أنواع الظلم القولي.

وأما الشح فهو شدة الحرص على المال مع البخل به، يكون شديد الحرص على المال وعلى جلبه وتحصيله ووسائل جمعه مع البخل به، وعدم أداء الواجب، هذا هو الشحيح، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] من وقاه الله شح النفس فقد أفلح، فالشحيح جامع بين الحرص على المال بكل وجه بحق وباطل، ومع ذلك بخيل في أداء الواجب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (حملهم -يعني: الشح- على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) فقد يحمل حب المال على سفك الدماء بغير حق، وعلى السرقات والخيانات، وعلى قطيعة الرحم، وعلى عقوق الوالدين، وعلى إيذاء الجار، وعلى غير ذلك من الشرور بأسباب شحه وحرصه على المال.

فيجب الحذر، ويجب أن يكون المؤمن نزالاً للمعروف، منفقاً في وجوه الحق، ليس بخيلاً ولا شحيحاً، ينفق المال في وجهه، ويطلبه من وجهه لا يطلبه من طريق الحرام، ولا ينفقه في الحرام، ولا يبخل به عن الحق، بل يكون جواداً كريماً ينفق المال في وجوه الحق، ويطلبه من طريق الحق، لا من طريق الظلم والخيانات والكذب ونحو ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى.

وينبغي أن يكون باذلاً لوالديه وأرحامه وقراباته، في وجوه الخير ووجوه المعروف، هكذا يكون المال، ولا خير في المال إذا كان لا ينفع في هذه الأمور، وأي قيمة للمال إذا كان يشح به صاحبه ويبخل به عن وجوه الحق؟ فسوف يكون وبالاً عليه وشراً عليه في الدنيا والآخرة، فالمال إنما يراد للإنفاق والإحسان وأداء الحق، وحماية الوجه عن الحاجة إلى الناس، قال جل وعلا: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7] .

هكذا المؤمن له أجر عظيم في إنفاقه في وجوه الخير وطرق الحق، وعليه وزر عظيم في الشح والبخل وعدم إنفاق المال في وجهه.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015