بدعة المولد ظهورها وبيان بدعيتها

ثم لما مضى القرن الثالث من القرون الثلاثة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ثم يجيء قوم تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه) قد خف عليهم أمور الدين، وسهلت عليهم المخالفات والبدع.

فعند هذا التغيُّر وعند هذا الاختلاف وظهور أهل البدع من أئمة الكلام وغيرهم، نبغت نابغة يُقال لهم: الفاطميون، واعتدوا على ولاية المسلمين، وتملكوا بلاد المغرب، ثم امتد ملكهم إلى مصر، وصارت لهم دولة في مصر، ثم ابتدعوا بدعاً كثيرة، منها: بدعة الموالد، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في ربيع الأول، فلابد أن نبتدع احتفالاً بمولده، ومولد فاطمة، ومولد الحسين، ومولد علي رضي الله عنه، فابتدعوا بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، وهم من الشيعة الرافضة، يدَّعون الإسلام وهم في الباطن من الروافض، من المؤيدين للغلو في أهل البيت، وعبادتهم من دون الله عزَّ وجلَّ، فصاروا يحتفلون بهذه الموالد بخمسة موالد: للنبي صلى الله عليه وسلم، ولـ علي، والحسين، والحسن، وفاطمة، ولحاكمهم الموجود في ذلك الوقت ورئيسهم وخليفتهم.

ثم بعد ذلك ابتدع من ابتدع الموالد، وصار هؤلاء هم الأئمة لهؤلاء المبتدعين في هذه الموالد التي ابتدعوها، وصاروا هم القادة لهم في هذه البدع، فصار كثير من الناس يبتدعون لكل من يزعمون أنه ولي أو شيخ كبير، فإذا مات جعلوا له عيداً كل سنة لمولده، يجمعون فيه الناس، ويذبحون فيه الإبل والبقر والغنم على حسب ما يتيسر لهم، ويطعمون الطعام، ويقرءون في ذلك ما شاءوا من قصائد أو رسائل أو تراجم لهذا الرجل أو غير ذلك.

ومن ذلك: بدعة مولد النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الفاطميين الذين هم ملوك المغرب ومصر ابتدعوا هذه البدعة في القرن الرابع، وتابعهم أناس بعد ذلك، ثم انتشرت هذه البدعة في كثير من بلدان المسلمين، في أفريقيا، وفي آسيا وفي غيرها، وصارت عندهم هذه البدعة عيداً إسلامياً، مثل عيد الفطر والأضحى، يعظِّمونه، ويشرعون له، ويجمعون فيه الناس، ويوجد فيه الأطعمة والموائد الكثيرة، والقصائد التي بعضها فيه شرك أكبر، وبعضها فيه شرك أصغر، وبعضها فيه المنكرات الكثيرة، وقلَّ احتفال من احتفالاتهم أن يسلم من شرك وبدعة ومعصية إلا ما عصم الله، فنفس المولد ونفس الاحتفال بدعة، ثم ينضم إليه بدع كثيرة، مثل: الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في أناس آخرين، وإيجاد منكرات أخرى، من اختلاط النساء بالرجال، وربما وجد في بعض موالدهم شرب الخمور، وأنواع الفسوق، نسأل الله العافية والسلامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015