الشيخ ناصر العمر: إذا سمحتم يا سماحة الوالد! لعلنا بعد أن استمعنا إلى توجيهاتكم وإجاباتكم، أن نختم به هذا اللقاء المبارك، أن نلبي رغبة كثير من الإخوة الكرام بالاستماع إلى بعض ما لدى شاعرنا حسان هذه الصحوة كما سمي، الشيخ الدكتور عبد الرحمن العشماوي، فلعلكم تأذنون له ببعض ما عنده.
الشيخ ابن باز: الله يوفقنا وإياه.
الدكتور العشماوي: جزاكم الله خيراً، يعلم الله أنني ما كنت أريد أن أشغل شيئاً من وقتكم، لكن يقول المثل العامي: الضيف في حكم المضيف، فما دام حكم علينا مضيفنا لهذه الليلة وأذن لنا سماحة الشيخ، فألقي عليكم قصيدة عنوانها: "جولة في محيط المشاعر".
وهذه القصيدة دعاني إلى إلقائها فضيلة الوالد الشيخ عبد الرحمن الفريان في حفل تحفيظ القرآن الأخير، ولكن حالت ظروف معينة دون إلقائها في ذلك المكان، فلعلها مناسبة طيبة أن ألقيها هنا.
أقول في القصيدة مع التحية إلى كل حافظ لكتاب الله:
بيني وبينك منهج وكتاب وعقيدة وصلت بها الأسبابُ
وشريعة غراء أشرق نورها فظلام ليلك عندها ينجابُ
ما زال يسري في البصائر نورها فالكون ميدان لها ورحابُ
يا سائلي عن نبض قلبي لا تسل بيني وبين همومه سردابُ
قلب الفتى دنيا تقوم بنفسها فيها جبال صلبة وشعابُ
فيها محيط من مشاعره له ثبج وموج هادر وعبابُ
لا لا تسلني عن بحار مشاعري فالموج فيها هادر صخابُ
سلني عن الأشواق عن غايتها فلديّ عن هذا السؤال جوابُ
أنا شاعر وقفت قصيدته على غصن وفي نظراتها استغرابُ
وقف اليراع على ضفاف دواته متأملاً ما صاغه الكتّابُ
ما صاغه الشعراء في زمنٍ له من كل فكر ساقط كُلابُ
قد عُلقت فيه الرءوس فما ترى إلا الرءوس تقودها الأذنابُ
لا لا تسلني عن بداية رحلتي وعن الطريق تحفه الأتعابُ
سلني عن الأرض التي واجهتها بالصرخة الأولى فعز جنابُ
بالأمس تأسرني براءة وجهها ويشد قلبي لونها الجذابُ
واليوم تأسرني تلاوة قارئٍ تنساب فوق لسانه الأحزابُ
يتلو فتنتفض القلوب مهابة إن القلوب الموقنات تهابُ
فإذا تلا أم الكتاب تألقت أرواحنا وسما بنا الإعجابُ
إياك نعبد لا لغيرك ننثني وبك استعانتنا ومنك ثوابُ
يا قارئ القرآن ليلك واحة والأفق عندك منظر خلابُ
اقرأ ليذكر من تكبر أنه مهما تطاول في الحياة ترابُ
اقرأ ليفهم من يحيد عن الهدى أن الولاء لمن إليه مآبُ
اقرأ ليخرس كل فن ساقط يشدو به عبر الأثير غرابُ
اقرأ لتنقذ أمة في دربها تتثاءب الأزلام والأنصابُ
لعبت بها الأهواء فهي شقية بقعودها وعدوها وثابُ
لعبت بها الأهواء فهي ذليلة تشكو وتغلق دونها الأبوابُ
اقرأ كتاب الله فهو شريعة من دونها نهر الحياة سرابُ
آياته تتلى فتسعد أنفس شقيت ويذهب همها وتثابُ
هذا خطاب للعباد فهل وعى قلب وهل غسل العقول خطابُ
دين يعيش به الحقيقة موقنٌ ويتيه عن ومضاته المرتابُ
دين يذوق به السعادة صادق ويذوق طعم شقائه الكذابُ
في القرب منه سعادة ولذاذة والبعد عنه تحسر وعذابُ
يا قارئ القرآن لا تركن إلى من سافروا في لهوهم وارتابوا
أخلص فأقوال العباد وفعلهم قشر وإخلاص القلوب لبابُ
يا قارئ القرآن قلبك عامر وقلوب من هجروا الكتاب خرابُ
في الناس من هم كالسوائل مالهم وعي ولكن ما لهم أقتابُ
ولرب ذي عقل حصيف راجحٍ أغواه عن درب الهدى الأصحابُ
خاطبت نفسي والهموم كبيرة وعلى وجوه الذكريات حجابُ
لا تحقري يا نفس منظر عابدٍ فالنحل في نظر العيون ذبابُ
ما قيمة الإنسان إلا بالتقى فأمامه تتضاءل الأنسابُ
نعطي ونمنع واهنين وإنما يعطي ويمنع ربنا الوهابُ
الشيخ ابن باز: لا إله إلا الله! بارك الله فيك، جزاك الله خيراً، لا فض فوك، والبيت الذي فيه الأذناب إن غيرته كان أحسن.