الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سماحة والدنا وشيخنا الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، أصحاب الفضيلة العلماء، أيها الإخوة الكرام! نيابة عن والدي وإخواني وأعمامي وأصالة عن نفسي، أرحب بكم في هذه المناسبة المباركة التي شرفنا فيها والدنا الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله.
إنني لم أستطع أن أعبر عن سروري وشعوري بالغبطة بهذا اللقاء المبارك، حيث إن زيارة سماحة الوالد لهذا البيت لأبنائه في بيتهم تعد إكراماً لنا وتشريفاً لنا، كيف وقد تحقق مع هذه الزيارة أن تفضل عدد من مشايخنا وعلمائنا وإخواننا بزيارتنا في هذا البيت في هذا اليوم المبارك! والله يعلم يا سماحة الوالد! ما نكنه لكم من محبة وتقدير، ووالله إننا لنخصكم بالدعاء لما نعلمه من جهودكم، وما تعلقه الأمة عليكم من آمال بعد الله جل وعلا.
إن العلماء هم قادة الأمة الذين يهدونها إلى الصراط المستقيم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر، ونحسب أنكم يا سماحة الوالد قد أكرمكم الله جل وعلا بعلمٍ غزير استفادت منه الأمة على مر الأجيال ولا زالت تستفيد، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في أنحاء العالم الإسلامي، وهذا من فضل الله عليكم، ثم هو يحملكم مزيداً من التبعة والمسئولية أعانكم الله على حملها.
إن هذه البلاد تميزت بميزة لم أجدها في كثير من الدول، تميزت بعلمائها إن المأساة التي تعاني منها كثير من الشعوب في الدول الإسلامية أنها لا تجد لها قائداً يقودها إلى الحق، إلا قلة من الأفراد وبعض العلماء، الذين لم يتح لهم كما أتيح من العلم والقبول لعلمائنا في هذه البلاد المباركة، والناس يا سماحة الوالد! ويا أصحاب الفضيلة! لا أقول في البلاد الإسلامية أو العربية، بل حتى في الدول الأوروبية، بل حتى في دول شرق آسيا، بل حتى في الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، ينظرون لعلماء هذه البلاد نظرة خاصة إذا قالوا فقولهم الفصل، وإذا حكموا فإن الناس ينتظرون إلى قولهم وإلى حكمهم، وهذا يتطلب منا مزيداً من الجهد، ومزيداً من العناية بهؤلاء في أنحاء العالم.
أما وقد حباكم الله بهذه المكانة فأقول: هنيئاً لكم، وهنيئاً لعلمائنا بهذه المكانة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] .
إن الفتن يا سماحة الوالد! ويا أصحاب الفضيلة! وأيها الإخوة الكرام! تعصف في هذه الأيام بالبلاد الإسلامية وغيرها، ولا نجاة ولا مخرج للأمة من هذه الفتن إلا بما خرجت به في الأزمان الماضية، بكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقد خُتمت النبوة والرسالة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وبقي دور من يحمل هذا العلم، يحمل هذا الميراث، ميراث الكتاب والسنة، ميراث النبوة.
فأقول: إنني قلما زرت بلداً إلا أجد السؤال عن علماء هذا البلد، وأجد السؤال بصفة خاصة عنكم يا سماحة الوالد، ومن هنا فقد اغتاظ الأعداء عندما رأوا هذه المكانة لعلمائنا، وهذه المنزلة التي هي في سويداء القلب في بلادٍ كثيرة وأخص هذه البلاد، فدأبوا يبثون الفتن والشكوك عندما أعيتهم السبل والحيل لتفريق الأمة أو لعزلها عن علمائها، فبدءوا يبثون الأقاويل، ويرجفون ليل نهار بخيلهم ورجلهم لتشويه صورة علمائنا، ولافتراء الأكاذيب، وللفصل بين العلماء وطلبة العلم، وهذا سيرتد عليهم بإذن الله بخيبة كبيرة، وسيبقى علماء هذه البلاد كباراً وصغاراً وليس فيهم صغير، ستبقى كلمتهم واحدة، ومنهجهم واحد هو منهاج النبوة، منهج سلف هذه الأمة، منهج أهل السنة والجماعة.
إنها مناسبة كبيرة وعزيزة أن نلتقي مع سماحة والدنا، ويحضر هذا اللقاء عدد من مشايخنا وإخواننا من طلاب العلم ومن الدعاة إلى الله جل وعلا، إنه شرف لنا أن نكثر من هذه المجالس، وأن تستمر الزيارة والصلة بين علمائنا أو مع علمائنا.
إن من حق مشايخنا على تلاميذهم أن يصلوهم وأن يزوروهم، وأن يأخذوا من علمهم، وأن يدافعوا عن أعراضهم، فدفاعهم عن أعراضهم دفاع عن ميراث النبوة.
إنني لا أريد أن أستأثر بالحديث، فإن الإخوة ينتظرون، وجاءوا ليستمعوا لكلماتكم، ولينهلوا من علمكم الغزير، فأكرر شكري لكم يا سماحة الوالد، ولصحبكم الكرام، ولجميع الإخوة الحاضرين، فقد شرفتمونا شرفاً لا نجازيكم به إلا بالدعاء في الأوقات الفاضلة، والأزمان الفاضلة، والأماكن الفاضلة، فجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأسأل الله جل وعلا أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يزيدنا علماً ويقيناً وعملاً لما نتعلم.
شكراً لكم مرة أخرى، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ابن باز: جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، وأثابكم الله، وتقبل منا ومنكم، وهدانا جميعاً إلى صراطه المستقيم، وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأصلح علماءهم، وأعانهم على أداء الواجب في كل زمان ومكان، إنه سميع قريب.