هكذا المؤمن يؤدي ما عليه، ويصبر على ما شرع الله له، ويحافظ عليه، ومع ذلك هو أيضاً يطلب المعالي، ويسير في ركاب الخير، ولا يلين، ولا يضعف، ولا يجزع، ولا يسخط، ولا ييئس، بل هو صابر مجاهد مسارع إلى كل خير، واقف عن كل شر، يرجو الخير ويطلب ويأخذ بأسبابه، ويتوقى الشر ويبتعد عن أسبابه, عالماً أن ربه جلَّ وعَلا على كل شيء قدير، وأنه مسبب الأسباب، وأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وأنه شرع لنا أن نأخذ بالأسباب، وأن نأتي الأمور من أبوابها، ووعدنا التأييد والتوفيق والنصر: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5] .
فوعده بأن يعطيه مطلوبه، ويسهل له مرغوبه، ومع ذلك يُعْظِم له الأجور، ويغفر له الذنوب سبحانه وتعالى، فهذه من نعمه وفضله سبحانه وتعالى على من طلب فضله, وجد في طلب مرضاته، وسارع إلى ما أمر به، وتباعد عما نُهي عنه عن فقه وبصيرة، وعن نظر فيما يجب عليه، وعن ابتعاد عما حرم الله عليه.
وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] .
فالمؤمن سواء كان شاباً أو شيخاً فإنه يتقي الله، ويتزود مما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويتباعد عن مساخط الله، ومع ذلك هو أيضاً جاد في الأسباب الأخرى النافعة في دينه ودنياه، التي تنفع الأمة، وتحفظ كيانها، وتغنيها عن شر أعدائها والحاجة إلى أعدائها، فلا يقف عند حد، بل هو دائم التشمير في طلب المعالي، كلما فرغ من شيء تشوف إلى ما هو أعلى منه وإلى ما هو فوقه من أعمال وعلوم ومنافع ينفع بها الأمة، وينفع بها نفسه.
والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب:70-71] فالمؤمن متى اتقى الله، وحفظ لسانه، أصلح الله أعماله، وغفر له ذنوبه.
فأنت يا عبد الله متى اتقيت ربك، وجاهدت نفسك، وصابرت في طلب المعالي، وطلب ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويباعد من سخطه، أصلح الله لك الأعمال، ويسر لك الأمور، وبلغك الآمال، وغفر لك الذنوب؛ فضلاًَ منه وإحساناً.
فإياك والغفلة، وإياك والكسل، وإياك والعجز، وإياك وسوء الظن بالله، كل هذه الأمور يجب أن تتضح، وأن تكون عالي الهمة، قوي الأمل، حسن الظن بالله عزَّ وجلَّ، صالح الأعمال، صادق الرغبة، نشيطاً في كل خير، بعيداً عن كل شر، وبهذا تكتسب المعالي، وتوفَّق لأحسن الأعمال، وأفضل الأعمال، وتُعان على كل خير، وتوقي كل شر.
وأسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والنصح في العمل، وأن يعيننا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه فلاح الأمة ونجاتها.
كما أسأله سبحانه أن يصلح حال المسلمين جميعاً، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفقهم لما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم.
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.