ينبغي للمؤمن أن يعنى بما أوجب الله عليه، وأن يتفقه في ذلك، وأن يعنى بما حرم الله عليه حتى يدعه على بصيرة، وحتى يحذره على بصيرة؛ لأنه خلق لهذا الأمر خلق ليعبد ربه، وحق الله عليه أن يعبده، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) ، والمعنى: يعبدونه بطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده.
وهكذا المجتمعات كلها، إذا استقامت على طاعة الله وترك محارمه، وتعاونت على البر والتقوى، وصارت مجتمعات صالحة حرية بتوفيق الله ونصره وتأييده، وحرية بكل خير؛ لكونها استقامت على طاعة الله، وابتعدت عن محارم الله، ووقفت عند حدود الله، هذا المجتمع الذي قال الله فيه وفي أمثاله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ، وقال فيه سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، وقال فيه سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] هذه حالة الأخيار والأتقياء والسعداء، وقال الله فيهم وفي أمثالهم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1-11] هذه حال الأخيار من عباد الله، الذين عبدوه كما أمر، فأطاعوا أوامره، وتركوا نواهيه، ووقفوا عند حدوده عن ذل وخضوع، وانكسار وتواضع، يرجون رحمته، ويخشون عقابه سبحانه وتعالى.
والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعنى بهذا الأمر في جميع الأوقات حتى يلقى ربه -حتى يموت- كما قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، أي: حتى يأتي الموت، فإذا كان سيد ولد آدم، وأفضل الخلق مأموراً بأن يعبد ربه حتى يلقاه -حتى يموت- فهكذا الناس يجب عليهم أن يلتزموا بالإسلام، وأن يستقيموا على عبادة الله وطاعته وترك معصيته؛ حتى يلقوا ربهم، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ، فأمرهم بالتقوى حق التقوى، وألا يموتوا إلا على الإسلام، (حق تقاته) معناها: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] الآيات تفسر بعضها بعضهاً، والتقوى: هي الدين كله، أي: أن الدين كله تقوى؛ لأنه يقي أهله من عذاب الله وغضبه، ولهذا سماه الله تقوى، فالإيمان بالله ورسوله، بترك ما نهى الله، والالتزام بأمر الله، والوقوف عند حدود الله، والمنافسة في ذلك عن بصيرة وعلم، وعن إخلاص لله وإيمان به، وعن متابعة صادقة لرسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الدين، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو التقوى، وهذا هو الهدى، فإن ديننا الإسلامي يسمى إيماناً، ويسمى تقوى، ويسمى هدى، ويسمى صلاحاً، ويسمى براً {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران:19] ، أي: هو الإيمان، فالدين عند الله هو الإسلام، هو البر هو التقوى هو الهدى هو الصلاح والإصلاح هو طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله.
وسمي إسلاماً؛ لأن أهله يؤدون ما أمر الله به وما نهى الله عنه عن ذل وخضوع وانقياد، فالإسلام انقياد لله ذل له، بترك النواهي وفعل الأوامر، عن إخلاص لله، ومحبة له، وإيمان به، وخوف منه، ورجاء له سبحانه وتعالى، هذا هو الإسلام، أن تسلم قلبك وجوارحك لله، ذليلاً منقاداً لأمر الله، متواضعاً، مطيعاً أوامر ربك، تاركاً لنواهيه، واقفاً عند حدوده تخشاه وترجو رحمته تخلص له العمل، وتقف عند الحدود لا تبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ولا تقصر بما أوجب الله، فالعاصي مقصر وجاهل، والمبتدع غالٍ وزائد، والواجب الوسط وهو لزوم الحق، فلا زيادة ولا نقصان لزوم طاعة الله ورسوله، والسير على منهج الله ورسوله، وعدم النقص بالمعاصي والجفاء، وعدم الزيادة بالبدع والتنطع والغلو.