لا ينبغي للعاقل أبداً أن يضيع الوقت في غير منفعة، إما في دين وإما في دنيا.
ولهذا شرع الله لنا أن نحفظ أوقاتنا، وأن نصونها عما لا ينفع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي هو الذي يعتني بالأمور كلها، فيعتني بالعلم النافع، والتفقه في الدين، ويعتني بالعلوم الأخرى التي تنفع الأمة في دنياها ودينها، وتغنيها عن الحاجة إلى أعدائها.
وهو أيضاً قوي في تنفيذ الأوامر والنواهي، قوي في طلب العلم، قوي في التفقه في الدين، قوي في أمر الله والدعوة إلى سبيله، قوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوي في جهاد الأعداء، قوي في وعيه وتفكيره، قوي في كل شأن من شئونه، هكذا المؤمن القوي، هكذا المتبصر الموفَّق، العالي الهمة، هذا شأنه أبداً، إما في علم وعمل، وإما في دعوة إلى الله، وإما في مذاكرة، وإما في أمور أخرى تنفع الأمة في دينها ودنياها، فهو قوي في قلبه، قوي في عمله، قوي في علمه، قوي في تفكيره، قوي في دعوته، قوي في أمره بالمعروف، قوي في نهيه عن المنكر، قوي في صبره على الجهاد، قوي على مصابرة الأعداء، قوي في تعلمه كل ما ينفع في أمر الدين والدنيا.
ولهذا كان أحب إلى الله وخيراً عند الله من المؤمن الضعيف الذي ليس عنده همة عالية، وعناية تامة بالأمور الأخرى التي يتعدى نفعها إلى الأمة.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذه كلمة جامعة من جوامع الكلم التي أوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الله جمع له العلوم الكثيرة والمعاني العظيمة في كلمات قليلة، يقال لها: جوامع الكلم، وهذه منها: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) لما بين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، بيَّن ما ينبغي للمؤمن، وما يُشرع له أن يسير عليه، فقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذا هو المطلوب من المؤمن، أن يحرص على ما ينفعه عاجلاً وآجلاً، في أمر دينه ودنياه، وأن يستعين بالله في ذلك، فلا يضعف ولا يكسل، ولا ينسى عون ربه فيعتمد على نفسه فقط، بل يعتمد على نفسه بعد الاستعانة بالله، وبعد اللَّجَأ إلى الله، وتعليق القلب به، والاستعانة به في كل شيء، فهو سبحانه المعين والموفق.
والعبد ضعيف بدون ربه، فعليه أن يستعين بالله، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] فأخبر أنه المعبود، وأنه المستعان.
فأنت عليك أن تعبده بطاعتك له سبحانه، وباللجوء إليه والاستعانة به سبحانه وتعالى، وعليك مع ذلك أن تحرص على ما ينفعك، مجتهداً في الأسباب، حريصاً على تعاطيها؛ لكن مع الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، واللجوء إليه، وإيمانك بأنه هو المعين وهو الموفق، وأنه لا عون لك إلا هو سبحانه وتعالى.