والمقصود أن نعلم أن الجهاد هو أفضل الأعمال المتطوع بها، وهو فرض على المسلمين فرض كفاية مكتوب عليهم إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وأن الواجب على الدول الإسلامية وعلى المسلمين جميعاً أن يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم وبألسنتهم، وأن يتقوا الله في ذلك، وأن يرحموا عباد الله ويجتمعوا على الحق والهدى، وأن يتركوا أسباب الذل والهوان، ويوحدوا كلمتهم وصفوفهم ضد الباطل وأهل الباطل، هذا هو الواجب عليهم، ونسأل الله أن يهديهم ويوفقهم لذلك وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمدهم بفضله وإحسانه وحوله وتوفيقه، ويبصرهم بدينهم ويفقههم فيه، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله صدقاً في قلوبهم وصدقاً في أعمالهم، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
لا بد أن نفكر في هذا الأمر بجد وإخلاص وصدق ليعرفوا عدل الإسلام ويعرفوا إحسان الإسلام وفضل الجهاد، وأنه سواء قاتل مدافعاً أو قاتل بادئاً فهو في الأمرين محسن ليس بمسيء ولا ظالم.
الإسلام في جهاده ابتداءً للدعوة والإخراج من الظلمات إلى النور، والإحسان إلى الناس، ولإنقاذ النساء والذرية والشيوخ والعباد الجهال؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، إلى الإسلام والعدل والنور، لا شك أنه دين الحق ودين الهدى، وهو دين الإحسان، وهو دين القوة، وهو دين السلام لا دين سفك الدماء ولا دين الظلم والعدوان، وإنما يأتي سفك الدماء عند الحاجة وعند الضرورة وإلا فهو يبدأ بالدعوة، يرشد الناس ويؤلفهم ويقيم عليهم الحجة ولا يقاتلهم إلا عند الامتناع والتعذر، وعند عدم قبول الحق وعدم إعطاء الجزية من أهلها، فحينئذ المسلمون مضطرون إلى أن يجاهدوا؛ لحماية حوزتهم ولتكثير سوداهم، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولتنفيذ أمر الله وتنفيذ أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وللرحمة والإحسان إلى الضعفاء والمساكين من النساء والأطفال الذين إن عاشوا بين أحضان الكفرة عاشوا بين الكفر والضلال وصاروا إلى النار بعد ذلك.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد ذروة سنام الإسلام، فقال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) فما قيمة بعير قد ذهب سنامه، فالإسلام بدون جهاد قد ذهب سنامه، وذهبت قوته، وبقي ضعيفاً ذليلاً بين الناس فلا بد من قيام الجهاد حتى ترفع راية الإسلام وحتى يقوم أولياؤه وأهله بالجهاد الصادق في سبيل الله عز وجل، وبالدعوة والجهاد الصادق لأنفسهم وغيرهم، يبدءون بأنفسهم ويجاهدونها لله حتى يتركوا محارم الله، وحتى يستقيموا على فرائض الله، وحتى يقفوا عند حدود الله صدقاً من قلوبهم وأعمالهم.
هكذا المؤمنون يبدءون بأنفسهم، فإن الذنوب شرٌ على الإنسان، الذنوب جندٌ عليك مع عدوك ومن أسباب هزيمتك أمام عدوك، فلابد من أن تبدأ -أيها المسلم- بجهاد نفسك وأن تجاهدها لله حتى تستقيم على الصراط المستقيم، وتدع محارم الله، وتكون صالحاً للتقدم بين يدي الله للجهاد في سبيله والدعوة إلى سبيله.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومنّ على المسلمين في كل مكان بالاستقامة والهداية، والجهاد بالنفس الجهاد الصادق، والجهاد للأعداء جهاداً صادقاً بإخلاص لله ورغبة فيما عنده سبحانه، كما نسأله سبحانه أن ينصر المجاهدين المسلمين في كل مكان، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرزقهم الإخلاص والفقه في دينه، وأن يعيذهم من مكائد أعدائهم، وأن يهزم ويذل أعداءهم وينصرهم عليهم، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه والدعاة إلى سبيله على بصيرة؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.