Q هناك من يتلفظ بألفاظ فيها الاستعانة بالجن، والدعاء والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما ينبه يقول: اعتاد عليها لساني، فما الحكم في ذلك؟
صلى الله عليه وسلم يجب أن يعود لسانه على الكلام الطيب ويحذر الكلام المنكر، وليس هذا بعذر، فيجب أن يحفظ لسانه عما حرم الله من الاستغاثة بالجن ودعائهم، ومن الشرك بالله جل وعلا، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] كانت العرب في جاهليتها تعبد الجن وتستعيذ بهم وتخافهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يثق بالله، وأن يعتمد على الله، ويستعيذ بكلمات الله التامات ليلاً ونهاراً من شر ما خلق، ويقيه الله شرهم، يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في ليله ونهاره، وفي أي منزل، وفي أي مكان (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ، يكررها ثلاثاً أو أكثر، دائماً صباحاً ومساءً، ويقيه الله من شرهم، وهكذا إذا قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحاً ومساءً، هذا من أسباب العافية من كل شيء، وهكذا قراءة المعوذتين و (قل هو الله أحد) صباحاً ومساء ثلاث مرات بعد الفجر وبعد المغرب، من أسباب السلامة من كل شر.
فالمقصود أن الواجب عليه أن يحفظ لسانه عما حرم الله من كل كلام رديء، من دعاء الجن، ومن الحلف بغير الله، وغير ذلك من سائر كلامه المنكر، وليس له عذر بقوله: اعتاده لساني، بل يحذر ويحفظ لسانه عما حرم الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، والله يقول في كتابه العظيم: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] .
وهو مسئول عن كلامه، فعليه أن يحفظ لسانه عن كل ما حرم الله من الغيبة والنميمة والسب، ودعاء الجن، والتوسل بالمخلوقات إلى الله، كأن يتوسل بالنبي، أو بجاه النبي، أو بحق النبي؛ فكل هذا لا يجوز، التوسل يكون بدعاء الله وتوحيده، وبالإيمان به سبحانه واتباع الشريعة، والتوسل بأعمالك الصالحة، كل هذا طيب.
فلا بأس أن تقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبتي لك، واتباعي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ببري والدي بصلتي للرحم بأدائي للأمانة توسل بأعمالك مثل أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة؛ فأنجاهم الله وفرج كربتهم.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة ممن قبلنا آواهم المبيت من المطر إلى غار، فدخلوا فيه من أجل المطر والليل يبيتون فيه، فأنزل الله صخرة تدحرجت من أعلى الجبل حتى سدت عليهم الغار، ولم يستطيعوا لها دفعاً، فقالوا فيما بينهم: لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فأنجاهم الله منها.
قال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً.
والغبوق: الحليب في أول الليل، من عادة البادية أن يصبوا الغبوق في الليل إذا حلبوا الإبل، فكان يأتي بالحليب ليسقي والديه قبل أهله، فإذا به ذات ليلة تأخر فجاء فوجدهما نائمين، فكره أن يوقظهما، وبقي واقفاً بالقدح ينتظر استيقاظهما، والصبية عند قدميه يتباكون يريدون الحليب، ومن شدة حبه لوالديه وبره بهما بقي واقفاً حتى طلع الفجر، فاستيقظا فسقاهما، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إليَّ، فراودتها عن نفسها -أي: الزنا- فأبت علي، فألمّ بها سنة شديدة، أي: حاجة، فجاءت إليه تطلبه الرفد والحاجة، فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك.
-أي: حتى تسمح له بالزنا بها، فعند الضرورة سمحت- فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وقد أعطاها مائة وعشرين ديناراً، فلما قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، خاف من الله وقام وتركها وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك -أي: ترك الزنا، وترك الذهب- فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً أيضاً، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قام الثالث فقال: اللهم إنه كان لي أجراء -عمال عنده- فأعطيتهم حقوقهم إلا واحداً بقي له حق عندي، فنميته وثمرته في إبل وغنم وبقر وعبيد، وبقيت أنتظر مجيئه ليأخذ حقه.
فصار يتصرف ويتجر فيه، واشترى من الإبل، وهو إنما بقي له آصع من شعير أو من ذرة أو من الأرز، فنَّمى هذا المال، واتجر فيه، واشترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فجاء بعد مدة وقال: يا عبد الله! أعطني حقي، الذي تركته عندك، قال: يا فلان! كل ما ترى من حقك، كل الإبل والبقر والغنم والعبيد ثمرته لك، فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي، قال: إني لا أستهزئ بك هو من حقك خذه، فاستاقه كله، استاق الإبل والبقر والغنم والعبيد، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا.
بأسباب أعمالهم الصالحة التي توسلوا بها إلى الله عز وجل، فنفعتهم عند الشدة، وأنجاهم الله بها عند الشدة، فتوسل إلى الله بإيمانك، وتقواك، وبر والديك، وأدائك الحقوق، وهكذا التوسل بتوحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به؛ فكلها أعمال صالحة.
توسل إلى الله بأنك تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك تؤمن بالله ورسوله، وأنك تؤمن باليوم الآخر، فهذا كله وسيلة شرعية.
اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك وسيلة شرعية، أما التوسل بالمخلوقات، أو بجاه النبي، أو بحق النبي، أو بجاه فلان، أو رأس فلان، أو شرف فلان؛ فهذه وسيلة باطلة لا تنفع، وليست وسيلة شرعية.