أيها الإخوة: إن السعادة لا تحصل بالهروب والإهمال؛ ولكنها في مواجهة الحياة وغاياتها، إن ثمة أسباباً يحسن تحصيلها ورعايتها فهي عوامل الإسعاد وجالبات الرضا، جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: {من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الطيب والمركب الطيب}.
أسبابٌ وعوامل منظورٌ فيها إلى النوع والكيف، وحسب الإنسان أن يسلم بإيمانه من المنغصات، ويتيسر له من القوت ويتحقق له من الأمن والعافية ما جسده الحديث النبوي الآخر: {من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها}.
إن المال يحقق السعادة إن ابتغى به متعة عيشٍ مباحة، ولذة نفسٍ جائزة، ومكرمة تبتغي ذكرها، وصالحة تبتغي عند الله أجرها وإن لم يكن كذلك فإنه لا يعدو أن يكون حزماً من الورق الملون، أو لمعاناً من المعدن الثقيل، أو أكواماً من الطين والتراب، عليك غرمه ولغيرك غنمه.
السعيد لا يأكل أكثر مما يأكل الناس، ولا يملك أكثر مما يملك الناس، ولكنه يرضى أكثر مما يرضى الناس، سبحان الله يا عباد الله! إن أسباب الرزق أدق من أن يدرك الناس حكمتها وأسرارها إن في الناس طلاب رزق لا ينالون خبزهم ولا خبز عيالهم إلا من قاع البحار اللجية، يغشاها موجٌ من فوقه موج، وآخرون طيارون رزقهم فوق السحاب يبتغونه صعداً في أعالي السماء، ومن بين هؤلاء وهؤلاء عمال المناجم والأنفاق، ينقبون الحجارة ويفجرون الصخور، لا يرون ضوء الشمس ولا بياض النهار، ومن دون هؤلاء وأولئك من يأتيه رزقه عند بابه، ليس في رءوس الجبال ولا في أعماق البحار: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32].
السعداء مؤمنون عاملون، وعلى ربهم متوكلون، وبحكمته واثقون، وبأقداره موقنون نصيبهم المقسوم في السماء سيهبط إلى الأرض هذه هي السعادة ذات الخلق السمح والنفس المطمئنة.
وإن من مصادر الشقاء وأسباب التعاسة أن تكثر البطالة، وينتشر الذين يتكففون الناس، وينظم إليهم رواد المقاهي والأندية البطالون الذين خلوا من أي عمل وإن السعادة لهم ولغيرهم أن تهيأ لهم فرص العمل؛ صناعة وزراعة، وحرفة وتجارة، مستفيدين من مستجدات العصر ووسائله الحسنة، ويهتم بذلك ولاة أمور المسلمين، وعلى رجال الأعمال كفلٌ في هذا غير يسير.