أيها المسلمون: أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به موجبٌ لسخط الله في الدنيا والآخرة، تمحق به البركات، وتخرب به عامر الديار، وتتفرق بسببه البيوتات، ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: {إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وأيما عبدٍ نبت لحمه من سحت فالنار أولى به} فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26].
ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!} خرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه بسندٍ رجاله رجال الصحيح سوى رجلين لكنهما وثقا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يؤتى يوم القيامة بأناسٍ معهم الحسنات كأمثال جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباءً منثوراً، ثم يقذف بهم في النار، فقيل: يا رسول الله! كيف ذلك؟ قال: كانوا يصلون ويصومون، ويزكون ويحجون، غير أنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأحبط الله أعمالهم} وفي صحيح البخاري رحمه الله، من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة}.
أمة الإسلام: متى يرجى العز ومتى يؤمل النصر وكثيرٌ من الناس قد بارزوا الله بالمعاصي في أموالهم وطرق اكتسابهم؟ إن العبد مسئول عن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وإن وجوه التعامل بالحرام كثيرة، والطرق المؤدية إليه واسعة، ومدخل الشيطان وجنوده فيها عريق، وكلها أكلٌ لأموال الناس بالباطل، التعامل بالربا من آكله وموكله، وكاتبه وشاهديه الارتشاء من الراشي والمرتشي والرائش الخيانات والسرقات القمار والميسر شهادة الزور الأيمان الكاذبة في الأموال أكل أموال اليتامى كتمان العيوب في البضائع السحر والكهانة والشعوذة والتنجيم التصوير المحرم وأدوات اللهو المحرمة، وما يُدفع في الزنا والنياحة، والكذب في الأسعار، والغش في المقاولات والتجارات، واحتكار الأقوات، كل هذه أنواع من الكسوب المحرمة، كلها موارد من موارد الحرام.
أيها الإخوة في الله: أيها التجار! كيف يستجاب الدعاء؟ ولماذا تنزع البركات؟ ومتى يهدأ اضطراب الأحوال في أمة الإسلام؟ يقول وهر بن الورد: لو قمت في العبادة مقام هذه السارية لن ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك: حلالٌ هو أم حرام".
وقيل لـ سفيان رحمه الله: لو دعوت الله؟ فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [[بالورع عما حرم الله يقبل الدعاء والتسبيح]].
وقد استبعد نبيكم صلى الله عليه وسلم إجابة دعاء ذلك الرجل المسكين المسافر الأشعث الأغبر وهو يمد يديه، ويلح في الدعاء: يا رب يا رب، لكن مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذاؤه حرام، فأنى يستجاب لذلك!
فاتقوا الله أيها المؤمنون في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، أصلحوا فساد القلوب بالكف عن الحرام وطلب الحلال، والعمل الصالح، فأي لحمٍ نبت من سحت فالنار أولى به.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ورزقنا الاستقامة على هديه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.