أيها الإخوة: هذا جانب من القضية، وثَمَّة جانب آخر: إنه حكم الظالم على المظلوم، والقوي على الضعيف:
فلقد صبوا جام غضبهم على الدول الضعيفة والفقيرة، استبدو بالثروات، واحتكروا الصادرات، واتهموا الدول الفقيرة بأن فقرها وعَوَزَها بكثرة سكانها، أليسوا هم الذين يتلفون فائض الإنتاج حتى لا تنخفض الأسعار؟! أليست أسعار ما يَرِدُ منهم في تزايد، وأسعار ما يصْدُرُ إليهم في تناقص؟! اتفاقيات ومعاهدات جائرة، يبرمونها مع هؤلاء الضعاف الفقراء، منحازةٌ مع دول الشمال، وما يَرِد من الشمال، وما ينتجه الشمال، مساعداتهم التي يمنُّون بها لا تصل إلا مخنوقة بالديون، ومثقلة بفوائد الربا، ومكبلة بالشروط، ومحدودية الصرف بما لا يرفع رأساً أو يورث تنمية.
أما الستار الحديدي الغليظ، فمضروب على التقنيات، ووسائل تحسين الإنتاج، وتطوير الاستثمار، ناهيك بسياساتهم المسعورة في التسلح، وإنفاق البلايين وبلايين البلايين في إنتاج السلاح وترويجه، وافتعال الحروب ونشرها، وزعزعة الاستقرار السياسي، والمذابح الجماعية، والفتن الطائفية: (لقد ربينا أبناءنا صغاراً، فقتلتموهم كباراً) قتلتموهم حسياً، وقتلتموهم معنوياً.
إن عندهم من مخزون السلاح ما يكفي لتدمير الأرض، وإهلاك الحرث والنسل عشرات المرات، ولو أنهم اكتفوا بمخزون يكفي لتدمير العالم مرة واحدة لفاض في ميزانياتهم ما يغطي مشروعات الإنتاج والخدمات في العالم أجمع!
لكنه الإجرام الغليظ، والأنانية المستحكمة، والجور في التوزيع، والاستئثار المقيت بما يملكون من صادر، وما يقْدِرُون عليه من وارد!
ومع ذلك يتبجحون ويأتمرون ويوصون ويقررون، ثم ينْحُون باللائمة في المشكلة الإنمائية والسكانية على هذه الدول الضعيفة، ولكنه (الثور يُضْرَب لَمَّا عافت البقر).
وإن أردتم شيئاً من الحقيقة -أيها الإخوة- فلتعلموا أن تكاثر الدول الضعيفة والفقيرة -وبخاصة دول الإسلام- يخيفهم ويفزعهم، طفحت بذلك وثائقهم وملفاتهم، لقد قررت تلك الوثائق والملفات أن تزايد السكان يهدد مصالحهم ويزعزع أمنهم، ولقد قالوا فيما قالوا: إن أقطارهم أصبحت تذوب كالجليد تحت الشمس أمام تزايد الشعوب الأخرى، ولقد كان بعضهم أكثر صراحة حين قال: إنهم يواجهون في المستقبل خطر الأَسْلَمة.
يعني: دخولَهم في الإسلام.
لقد تعالت نداءات كُتَّابهم ومنَظِّرِيهم في التحذير من اختلال ميزان القوى بين الشرق والغرب، حتى صرحوا بأن لدى مناطق المسلمين خصوبة، تفوق ما لديهم بأضعاف، مما سوف ينقل السلطة والقوة في مدة لا تتجاوز بضعة عقود، هذا ما حصلت به حساباتهم ونسبهم المئوية.
نعم أيها الإخوة.
لقد تناقصت أعدادهم، وقلت نسب المواليد فيهم؛ فأصبحوا يدفعون الإعانات للأسر؛ لزيادة الإنجاب، ولم تزدد أعدادهم، وقد استباحوا ما حرم الله على ألسنة رسله، وتنزلت به كتبه، فأحلوا السفاح، واكتفى الرجال منهم بالرجال، والنساء بالنساء؛ فصار حالهم متردداً بين شذوذ وسحاق.