أيها المسلمون: أمة الإسلام تعيش غربة حقيقية بين الأمم وتنبع غربتها في تميزها وتمنعها عن السير في ركاب الظلم والاستسلام، وقد جر عليها هذا ضغوطا ًكبيرة، وأحمالاً ثقالاً، مادية وأدبية، لا تكاد تدركها، مستها فيها البأساء والضراء وزلزلت.
أيها المسلمون: طغيان القوة وغرورها يجعل صاحبه لا يبالي بمواقف الآخرين، ولا بحقوقهم، بل إنه ليستهين بالأعراف وقواعد التعامل، ويستكثر على غيره أن ينظر في مصالحه، أو يتمسك بحقوقه، أو يعتز بهويته وقيمه.
فالضعفاء في ميزان الظلم لا حق لهم إلا الخضوع والاستسلام، وحين تضعف الأمم يتفجر الحقد المكبوت، ويظهر الخصوم يناوشون من مكان بعيد.
إن الإنسانية كلها مدعوة إلى التأمل في الأخطار الرهيبة، التي تنتظرها إذا تجاهلت النذر المتصاعدة من الصدور الحاقدة التي تبث نيران العداوات والصراعات المدمرة، وازدراء الأمم في معتقدها وفكرها وديانتها.
الظلم هو وقود الصراعات، والعنف لا يولد إلا العنف، وعقلاء البشر وقراء التاريخ يدركون أن قوة الظلم ما هي إلا كضوء شهاب، سرعان ما ينطفئ.
إن الأمة الحية، ولو كانت مستضعفة، فإنها لن تقبل الظلم، بل قد تكون هذه الضغوط والمتغيرات سبباً من أسباب يقظتها، وحيويتها، فلا تهون عليها عزتها وكرامتها.
الأمة الكريمة الضعيفة، وإن كانت لا تقوى على المواجهة في مرحلة من المراحل، لكنها لا ترضى بالدنية في عزتها ومبادئها، ولن ترضى أن تنظر للآخرين باستجداءٍِ أو استخذاء.