الحمد لله واسع الفضل، مجزل الثواب، يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من أناب، أحمده سبحانه وأشكره، يفيض فوائض النعم، ويسبغ سوابغ الكرم، ويعطي بغير حساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الوهاب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ختم به الأنبياء، وأنزل عليه أشرف كتاب، صلى الله وسلم وبارك عليه، أوضح العقائد وفصَّل الأحكام، وسَنَّ مكارم الأخلاق والآداب، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار خير آل وأكرم أصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فبتقواه تُنال الدرجات، وتزكو الأعمال، وتزودوا من ممركم لمقركم، فأنتم في فترة الإمهال، فالدنيا غرارة مكارة، والموت آتٍ لا محالة، والأجل قريب والأحمال ثقال، فاغتنموا رحمني الله وإياكم سويعات أعمالكم فالأيام فانية، ولسوف يندم أصحاب القلوب القاسية، وطهروا درن الذنوب بفيض العبرات، واستثيروا رقة القلوب بذكر يوم الحسرات، فالناس فيه سكارى من طول الوقوف، حيارى من هول يوم مخوف: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18].