إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله.
أشكره ولا أكفره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الملكُ الحقُّ المبينُ، إله الأولين والآخرين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله؛ بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة: أحييكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ثم بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله، فلا بد من شكر من كان له فضلٌ في ترتيب هذا اللقاء وتنظيم هذا الاجتماع في هذا البيت من بيوت الله.
ومن أخص من يخص بالذكر فضيلة إمام المسجد الشيخ حمد المطوع، والشيخ تركي بن قعود، وآخرين من ورائهم لا تعلمونهم الله يعلمهم!
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي كل محسن بإحسانه ويثيبه، ويجعل هذا الاجتماع مقرباً إلى رضوانه، وأن يكتب لنا ذلك في ميزان حسناتنا؛ ما كان منه من صواب، وما كان سوى ذلك، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو ويسامح.
أيها الإخوة: الموضوع الذي اختير لهذا اللقاء، وقد اختاره الإخوة هنا، اختاروه بعنوان: التفقه في الدين فضله ووسائله.
وهو موضوع لا شك جدير بالاهتمام، وجدير بالنظر، وجدير بالتذاكر فيه، ولا شك أنهم ما اختاروا هذا إلا لما لهم من خبرة، ولما يعرفونه من حاجة الناس إلى مثل هذا.
ويكفي لجاذبيته وبيان أهميته: عنوانه (التفقه في الدين) فهو متضمن لكلمتين عظيمتين التفقه والدين، التفقه مضافاً إلى الدين، ولهذا سوف يأتي معنا في ثنايا الحديث إشارات كثيرة، وبخاصة عند قوله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}؛ فإن هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم -وقد أوتي جوامع الكلم- على وجازتها وعلى قلة ألفاظها، فإنها مليئة بالمعاني كما سوف نشير ولا نستبق الأحداث.
أرجو أن يتسع الوقت للحديث عن جملة من العناصر؛ أذكرها تذكيراً بها: منها التفقه في الدين من حيث معناه، ثم بيان ما كان منه فرض عين وما كان فرض كفاية، ثم إِشارة إلى طبيعة العلم النافع وآثار هذا العلم، وقد يكون فرصة لأن يختبر الإنسان نفسه في هذا الباب، ثم إشارة إلى صفات طالب العلم والفقه؛ صفات على جهة الإجمال، ثم صفات على جهة التفصيل تتضمن الوسائل.
وقبل ذلك فضل العلم وشرف مرتبته؛ لأن العنوان -كما تعرفون- متعلق بالفضائل والوسائل، ثم وسائل عملية، وهي فيها إشارة إلى الصفات ولكنها في الواقع وسائل، منها ما هو وسائل معنوية لا يكاد يتحقق الفقه الحقيقي إلا بها، من الإخلاص والخشية والعمل بالعلم، ثم التلقي عن المشايخ، وسوف يكون لنا فيه وقفة، ثم التواضع وعدم الاستنكاف من تلقي العلم في أي زمن من العمر ومن أي عالم مهما صغر سنه أو لم تكن لك به معرفة من قبل.
ثم مبادرة الشباب، وفرص العمر، والبعد عن الشواغل والتسويف، ثم الأدب لتلقي العلم، ثم عدم التعجل في التصدر، ثم قول لا أدري، ثم عدم الاستنكاف عن السؤال مهما بلغ الإنسان من مراحل علمه وتعلمه.
وهذا إجمال لما سوف يكون الحديث عنه، ولعل الوقت يتسع لكل ذلك، وإن لم يكن فأرجو أن آتي عليه ولو على شيء من الإجمال.