لماذا هانت علينا أنفسنا؟
ولماذا هانت علينا بلادنا؟
ولماذا هانت علينا لغتنا -لغة ديننا ولغة قرآننا-؟
إنما أصاب الأمة من ظروفٍ سياسية واقتصادية، وضعفٍ في الديانة، أدى إلى ركود الفكر، وضعف الثقافة، حتى آل الأمر إلى هذه التبعية المشينة، إن الأزمة أزمة عزة لا أزمة لغة، وأزمة ناطقين لا أزمة كلمات.
إن اللغة لم تضعف ولم تعجز، ولكن ضعف أبناؤها، وقصَّر حماتها، وإن من الظلم والحيف أن يتهم هؤلاء الأبناء العاقون الكسالى لغتهم من غير حجةٍ ولا برهان، ضعافٍ في أنفسهم، مهابيل في طموحاتهم، يرهبون أنفسهم بثورة المعلومات، وترتجف قلوبهم بتقدم التقنيات مسكينٌ هذا المثقف الذي ضعف وتخاذل، فشرَّق وغرَّب يفتش لعله يجد ميداناً أو مدخلاً ما الذي يريده هؤلاء المساكين؟
هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم؛ فيهاجروا بألسنتهم وعقولهم إلى أعدائهم، ويتحولوا إلى مخلوقاتٍ تفكر بعقولٍ غير عقولها، وترطن بلسانٍ غير لسانها؟!
هل يتخلون عن هويتهم ودينهم وعزهم بسبب نظرة ضيقة، ومنفعة آلية؟ هي في مآلها ومصيرها ضررٌ ماحق، وخطرٌ داهم، وبلاءٌ مغدق؟
أيها المسلمون: ويزداد الضعف ويتجلى الهوان عند هؤلاء المشككين حين يتفوهون بقولهم: إن استخدام لغة الأمة قد يسبب عزوف الطلاب عن إتقان اللغة الأجنبية؛ مما يؤدي إلى ابتعادهم عن الأبحاث الجديدة والتطور السريع!
ويحدثك آخرون عن سوق العمل: فترى مخذولين، مبهورين، يفاخرون في بعض كلياتهم وأقسامهم بأنهم يدرسون جميع العلوم لديهم بلغة أجنبية؛ بحجة أن سوق العمل يتطلب ذلك، وهي حججٌ يعلم الله ويعلم المؤمنون، ويعلم العقلاء أنها واهية، بل هي -والله- أوهى من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
ولكنها أحوال تذكر بعبودية التسلط والاستعمار في بعض البلدان في الماضي، وما أشبه الأجواء الثقافية لعهد العولمة الحاضر بالأجواء الثقافية بعهد الاستعمار الغابر، من حيث جعل الاستلاب الديني عن طريق الهجوم الشرس على اللغة وزعزعتها في حياة الأمة، وإحلال اللغة الأجنبية بمسوغات بالية.
وحين يحدثونك عن اللغة وسوق العمل ليتهم يحدثونك عن مصطلحاتٍ علمية، وتقنيات متقدمة، واتصالٍ بالجديد من العلم والتقنية، ولكنه -مع الأسف- ليس سوى إتاحة لعمالة وافدة متوسطة التأهيل ومتدنية الكفاءة، تتربع على مواقع العمل في المؤسسات والشركات، والأسواق والتجارة، مهمتهم عرض البضائع، وترويج السلع، وترتيب المستودعات، وقيد السجلات، وضبط المراسلات سوق عملٍ مخزي، تحولت به المستشفيات والفنادق وبعض أقسام الجامعات وبعض الأسواق ومعارض البضائع والتجارات، واللوحات الإعلامية والتجارية، تحول كل ذلك إلى بيئات أجنبية، يتبادل فيها أبناء الأمة لغة أو لغات أجنبية، حتى تحولت قوائم الأطعمة والسلع والأسعار إلى اللغة الأجنبية، وفرضت وجودها وأنماطها على شرائح واسعة من أجيال الأمة؛ فاضطربت لغة التفاضل، وفسدت الألسن، وزادوا تخلفاً إلى تخلفهم، وضعفاً إلى ضعفهم، وامتلأت سوق العمل بالوافدين من غير حاجة حقيقية، ويريدون من أبناء الأمة أن يتحدثوا اللغة الأجنبية من أجل هؤلاء، زاعمين أنهم بهذا يهيئون لأبنائهم فرص العمل.