معاشر المسلمين: من العقائد المقررة، ومن أصول الدين المتقررة في مذهب أهل السنة والجماعة: حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتدين لله بالإقرار بفضلهم من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان.
إن الصحابي هو: كل مسلمٍ لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورآه مؤمناً به ومات على ذلك، ومن يكتب له شرف الصحبة لا يتطلب له سوق التعديل، فكفى بشرف الصحبة تعديلاً.
يقول الإمام النووي رحمه الله: وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عملٌ ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والإمام أحمد رحمه الله يقول: فأدناهم صحبةً هو أفضل من القرن الذين لم يروه -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- ولو لقوا الله بجميع الأعمال.
أولئك هم صحب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء أو استنقصهم في مقام فهو من المؤمنين على غير سبيل، هم خير الناس للناس، وأفضل تابع لأفضل متبوع، فتحوا القلوب والبلاد بالصدق والإيمان قبل الرمح والسنان، لم يعرف التاريخ البشري تاريخاً أعظم من تاريخهم، ولا رجالاً دون الأنبياء أفضل منهم ولا أصدق، تأمل سيرهم بعين إنصاف في كتاب الله وفي الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت من آثارهم وأحوالهم، فترى أمراً عجباً من حال القوم وعظيم ما آتاهم الله من الإيمان والحكمة والشجاعة والقوة، حين بخل غيرهم بالنفس والمال، وحين قعد غيرهم عن مفارقة الأهل والولدان؛ استرخصوها في سبيل الله وإقامة دين الحق ونصرة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، استرخصوها حتى تمكنت الأمم والشعوب من العيش في أمنٍ وعدل ورغدٍ ورحمة تحت حكم الإسلام، فارقوا الأوطان، وهجروا الخلان، وقتلوا في سبيل الله الأبناء والآباء والإخوان، بذلوا النفوس صابرين، وأنفقوا الأموال محتسبين، وناصبوا من ناوأهم متوكلين، فآثروا رضا الله على الغنى، والذل في سبيل الله على العز، والغربة على الوطن.
هم المهاجرون قال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8].
وهم الأنصار أهل المواساة والإيثار الذين تبوءوا الدار والإيمان: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9].
وهم التابعون لهؤلاء السابقين: {بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [التوبة:100].
الله عزّ شأنه وتقدست أسماؤه عدلهم وأثنى عليهم في آيات من كتابه يطول سردها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم في أحاديث يعسر حصرها مما يكون القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحدٌ منهم مع تعديل الله إلى تعديل أحدٍ من الخلق: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]، {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح:18]، فحاشاك -رحمك الله- أن تتوقف في شأن أحدٍ منهم، أو تشك في واحدٍ منهم، فلقد رضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم، وعفا عنهم، وأنزل السكينة عليهم.