أيها الإخوة والأحبة: بضعف النفوس عن قيام الليل تقسو القلوب، وتجف الدموع، وتستحكم الغفلة.
ذكر رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: مازال نائماً حتى أصبح، فقال عليه الصلاة والسلام: {ذاك رجل بال الشيطان في أذنه} متفق عليه.
إذا أظلم الليل نامت قلوب الغافلين، وماتت أرواح اللاهين، من لم يكن له وردٌ من الليل فقد فرط في حق نفسه تفريطاً كبيراً، وأهمل إهمالاً عظيماً، أي حرمانٍ أعظم ممن تتهيأ له مناجاة مولاه، والخلوة به ثم لا يبادر ولا يبالي؟! ما منعه إلا التهاون والكسل، وما حرمه إلا النوم وضعف الهمة، ناهيك بأقوامٍ يسهرون على ما حرم الله، ويقطعون ليلهم في معاصي الله، ويهلكون ساعاتهم بانتهاك حرمات الله، فشتان بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان.
روى البيهقي في سننه الكبرى بسندٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبغض كل جعظري جواض، سخاب في الأسواق، جيفة في الليل، حمارٍ بالنهار، عالمٍ بأمر الدنيا، جاهلٍ بأمر الآخرة} لقد عشتم حتى رأيتم أجيالاً من المسلمين تقطع ليلها وتسهر على العبث واللهو في قنواتٍ ماجنة، وغناءٍ ساقط، وتمتعٍ هابط، لماذا تشكو بعض البيوت من ضعف الهمم عن قيام الليل؟ وتخلو منازل من المتهجدين المتعبدين؟
قيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [[ما نستطيع قيام الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم]] وقال رجل لأحد الصالحين: لا أستطيع قيام الليل فصف لي في ذلك دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل.
فاجتهد حفظك الله أن تصلي ما تيسر من الليل؛ اجتهد أن تصلي التراويح، تصلي ما تيسر من الليل، والقليل من صلاة الليل كثير، واصبر على ذلك وداوم عليه، فبالصبر والمداومة والإخلاص تنل من ربك التثبيت والمعونة، واعلم أن دقائق الليل غالية فلا ترخصها بالغفلة والتواني والتسويف، ومن أرخص الدقائق الغالية ثقلت عليه المغارم وضاقت عليه المسالك: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] ولا تنس -حفظك الله- أهلك فأيقظهم لا ليلتقوا حول مسلسلٍ هابط، أو منظرٍ خالع، ولكن ليقفوا بين يدي خالقهم تائبين منيبين يغسلون خطيئاتهم بدموعٍ نادمة، وقلوبٍ باكية، لعلها أن تمحو الذنوب، ففي الحديث: {رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء}.
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:15 - 17].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.