الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بعثه ربه بالهدى، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه أجمعين من الأنصار والمهاجرين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:-
فأحييكم بتحية الإسلام؛ فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ثم أشكر للإخوة الذين رتبوا لهذه الدورة ترتيبهم، كما أشكر لهم دعوتهم وإتاحتهم الفرصة لِلَّقاء بهذه الوجوه الطيبة في هذه البقعة المباركة، في هذا البيت من بيوت الله، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسنات الجميع.
أيها الإخوة: الموضوع -كما سمعتم- ابدءوا بالتوحيد.
ومعلوم أن الموضوع ليس بجديد، والحديث فيه قد كثر، ولا أقول: إنه متكرر أو مردد كثيراً، ولكنه متتابع، وينبغي أن يتتابع الحديث فيه لأمور سوف تتبين -إن شاء الله- من خلال ما سألقي عليكم من أفكار وعناصر في الموضوع، وفيما بين يدي من عناصر سوف أتكلم عن التوحيد من حيث تعريفه وإثباته، ومن حيث احتفاء كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم به، ومن حيث جلائه فيما يسمى بآيات الأحكام أو أحاديث الأحكام، أو حتى ما يسمى بالفروع، وهذا يستدعي الحديث عن الضد، وهو الشرك والخوف منه، وكذلك قد نتحدث -إذا كان في الوقت متسع- عن طريقة تعليم التوحيد.
وسوف أبدأ بموضوع ما يسمى بأصول الدين وفروعه، وإن كانت العادة والمتبع في الترتيب العلمي أن يُبدأ بالتعريف أولاً، ثم تتدرج المعلومات في ابتناء بعضها على بعض، ولكن يبدو أن الحديث عما يسمى بأصول الدين وفروعه هو الذي يتجلى فيه.
لماذا نتحدث عن التوحيد؟
ولماذا نبدأ بالتوحيد؟
المتبع في ترتيب علمائنا -رحمهم الله- المتقدمين منهم والمتأخرين، والناظر في مناهج التاريخ أنهم يقسمون العلوم إلى: أصول الدين وفروع الدين، ويعتبرون أصول الدين هو الحديث عن التوحيد، ويسمونه -أيضاً- في بعض المصطلحات علم الكلام والعقائد وفروع الدين تعني الحديث عن الأحكام وقضايا الفقه والتشريع.
وانبنى على هذا قولهم: إن القرآن حينما تنزل في مكة كانت عنايته بالعقيدة وما يثبت العقيدة من قصص وأحوال الأنبياء مع أقوامهم، وما حل بالأقوام من عقوبات لمخالفتهم لأنبياء الله عز وجل.
ثم قالوا: إنه بعدما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أصبح الكلام عن التشريع والأحكام، وتنزلت الفرائض.
وهذا الكلام لا شك أن له ما يسنده وما يستدل له، من حيث أن الأحكام لم تتنزل إلا في المدينة، ما عدا الصلاة فإنها شرعت في مكة بعد عشر سنين، أما سائر الأحكام فإنها ما شرعت إلا في المدينة، وهذا كلام واضح وجلي ومعلوم من تتبع تاريخ التشريع.
ولكن -وهذا هو المهم- هل توقف الحديث عن التوحيد؟ وكيف تحدث القرآن عن التوحيد في كل مراحل تنزله خلال ثلاث وعشرين عاماً؟ وكذلك كيف كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومسيرته منذ بعث إلى أن توفي؟ أين محل التوحيد من سيرته عليه الصلاة والسلام؟
هذه القضية -يا إخواني- جديرة بالبحث وبالتأمل لماذا؟ لأن الحديث عن التوحيد هو لب الدين، في كل وقت، بل في كل ظرف، والمخاطبون بالتوحيد ليس الكفار فقط، بل إن المسلمين يخاطبون بالتوحيد، ويخاطبون بالحديث عن التوحيد، ويخاطبون بتقرير وتثبيت التوحيد.
وذلك لأننا سوف نرى -من خلال تتبع التشريع- أن القضية ليست مجال تردد لمن أنار الله بصيرته، ولو ذكرت لكم بعض قضايا سريعة تعرفونها: حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله} هذه آخر لحظة من حياة الإنسان، (لا إله إلا الله) و {من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة} الخطاب لمن؟ إنه للمسلمين وحينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، كان يقول: {لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا} في مرضه الذي مات فيه.
إذاً: حينما أتحدث عن التوحيد، فليس الأمر كما يقول بعض الناس -خاصة في خارج هذه البلاد، أو الذين لم يعرفوا طريقة القرآن- يقول: إنكم تتهمون الناس في عقائدهم أو نحو هذا الكلام.