فاتقوا الله -عباد الله- وليتقِ الله الواقفون ونُظَّار الأوقاف، وليتحرَّ الواقف في وقفه أن يكون مما يُتَقَرَّب به إلى الله عز وجل، مبتعداً عن المبتدَعات والمحرَّمات، وإقامة مواسم البدع، مبتغياً في وقفه مرضاة الله، متبعاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، معظِّماً حرمات الله.
وليحذر مما يفعله بعض الواقفين من المقاصد السيئة الذين يجعلون من الوقف ذريعةً لحرمان بعض الذرية، فيحرِمون البنات، أو يجعلون القسمة ضيزى بين الذكور والإناث: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9].
لقد كثرت هذه المآثم حتى شوَّهت الأوقاف، وأخفت في بعض الأحيان خيراتها ومنافعها، ولقد ظهر شيء من هذا الانحراف في أواخر عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها منكرة على هؤلاء فعلتهم قالت: [[ما وجدت للناس مثلاً اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام:139] والله إنه ليتصدق الرجل بالصدقة العظيمة على ابنته فتُرَى غَبارَة -أي: نضارة- صدقته عليها، وتُرَى ابنته الأخرى، وإنه لتُعْرَف عيها الخصاصة -أي: المجاعة وشدة الحاجة- لِما أبوها أخرجها من صهرته]].