الحمد لله لم يزل بالإنعام منعماً، وبالإحسان محسناً، أحمده سبحانه وأشكره يغفر ذنبنا، ويجبر كسرنا، ويغيث لهفنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو ربنا ومولانا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله بعثه منا فضلاً منه ومَنَّا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأبدل خوفهم أمناً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فاتقوا الله ربكم حق تقاته، واحذروا بطشه ومقته فهو معكم أينما كنتم.
أيها المسلمون: إن التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أكثر العبر وأقل الاعتبار!
إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد من ماضيها، ولا تستفيد من ماضيها لحاضرها ومستقبلها لهي أمة مقطوعة بتة، فالماضي والتاريخ ليس مفتاحاً لفهم الحاضر فحسب، بل هو أساسٌ من أسس إعادة صيغة الحاضر وبناء المستقبل، وكتاب ربنا قد بسط لنا في أحوال الماضين، وقص علينا من قصص الغابرين؛ لأخذ الدروس واستلهام العبر {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111] {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون} [يونس:14].
أيها الإخوة: إن سجل التاريخ هو المنار المرشد الذي يهدي -بإذن الله- ربان السفينة فيجنبه الصخور المدمرة في قاع البحار، ويقيه الأمواج العاتية فوق سطح المياه.
إن واقع الأمة اليوم في كثير من بقاعها وأصقاعها وأحوالها وأوضاعها يستدعي النظر والاعتبار، والتفكر والادكار، ولو أن المسلمين استوعبوا دروس الماضي لما أخطئوا في كثيرٍ مما أخطئوا فيه، والذي ينظر في تغيرات الأمم في مللها وأخلاقها، ويتأمل في تقلبات الدول في سياساتها واقتصادها هو أقدر على تفهم الحوادث الماضية، والتي هي صورة مشابهة لكثيرٍ من الوقائع المعاصرة.