الحمد لله ذو القدرة والملكوت، والقوة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو حي لا يموت، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، العزة والمجد والمنعة لمن أطاعه واتبعه، والذلة والصغار والشنار لمن عصاه وخالف أمره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس جميعاً- ونفسي بتقوى الله عز وجل والعمل الصالح، فاتقوا الله ربكم واعملوا صالحاً إنه بما تعملون خبير.
أيها الناس! سكوت الشعوب إلى أمد، وصمت المظلوم إلى حين، وما يجري في الساحة لم يبق داراً ولا جداراً، ولم يدع لأصحاب النوايا الحسنة مقالاً، استوى الراضون والرافضون.
إن عناقيد الحقد والغضب التي انصبت على الديار أثارت تساؤلات واستفهامات:
هل الناس قد غفلوا أكثر مما ينبغي؟!
وهل القوم استسلموا لوعود معسولة أكثر مما يجب؟!
وهل تنازلوا أكثر مما يلزم؟!
وهل استمرءوا التضليل والمخادعات أكثر مما يسوء؟!
عناقيد الحقد والغضب رفعت عن المظلوم العتب لينجلي الغبار وتتقشع السحب الظلماء عن رجال يقاومون الضلال بجلد ويرفعون المظالم بمجاهدة، لا يستوحشون جو التخذيل، ولا يتخاذلون لغربة الحق، فهم لا يزالون يُؤدون ما عليهم لربهم ودينهم وأمتهم إلى أن تنقشع الغمة ويحفظ الحق المشروع، ويخرج الإسلام من محنته ناصع الصفحة، بل لعله أن يستأنف زحفه الطهور ليضم إلى قومه قوماً، وإلى رجاله رجالاً، وإلى أرضه أوطاناً.
إنهم رجالٌ يتأبون على الهزائم النازلة، ويتوكلون على الله في دفعها ومدافعتها حتى تضمحل وتتلاشى.
إن في حكمهم المأثورة، وآدابهم المسطورة: الجزع لا يُغني من القدر، والصبر من أبواب الظفر، والمنية ولا الدنية، واستقبال الموت خير من استدباره، وهالك معذور خير من ناجي فئور، والأيام حُبلى، والتأريخ له ألف عودة وعودة طالما هناك خصومٌ لا يتعظون ولعبر التاريخ لا يدركون.
ومن سنن الله المعلومة: أن الشهر -طال أم قصر- سوف يُحاسب الذين يستهترون بالدماء، ويهينون القضايا، إنهم يُساهمون في إحياء تيارات الرفض ونمائها.
لقد قال قومنا: نعم للسلام! ولم يقولوا: نعم للاستسلام والتنكيل والإهانة والانتقام، وإذا استرخص العدو الدماء فهي عند أهلها غير رخيصة، ولقد علم قومنا كما يعلم غيرهم أن الأمة التي تقبل الخنوع والذلة وتعطي من نفسها الدنية أمةٌ ماتت فيها المواهب الإنسانية العليا، وارتكست فيها الملكات اليقظة.
أي حياة تعيشها إذا هي عاشت خادمة تابعة ذليلة مهانة؟!
كل أمة تنتكس عن حمل أعباء الحياة الأبية وتضعف عن الإقدام في ساحة الفداء، وتخشى عواقب المخاطرة والجرأة، فقد حكم عليها بالذلة والموت والهوان، اسمعوا إلى قرآنكم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا} [البقرة:243].
لقد ماتوا في الديار التي عجزوا عن الدفاع عنها، وعلى الأمم النائمة أن تتحمل أوزار ما تُقاسي وتُعاني، والذي يقبل الذلة يغري الآخرين بالبغي والعدوان، وفي ذلة المظلوم عذر الظالم، وقلَّ ما يقع العدوان على ذي أنفة أو حمية.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واستمسكوا بعزة أهل الإيمان {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
ثم صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة، وكل أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تُحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم أيده بتأييدك وأعزه بطاعتك، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم ووفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمات لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!!
اللهم وأَبرم لأمة الإسلام أمر رُشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.