الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا عبد الله ورسوله، بعثه ربه بالرحمة والهدى، جعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأشكر الإخوة في مركز الدعوة والإرشاد بـ جدة والمكتب التعاوني دعوتهم لي للمشاركة في هذا الموضوع المهم، وفي هذه القضية التي هي من أهم القضايا، وحينما رغبوا مني أن يكون عنوان هذا اللقاء: المرأة والتغريب، كان في ذهني أشياء ظننت أنها تخص هذا العنوان، ولكن لما رأيت القائمة التي يحتويها هذا النشاط الطيب المبارك، وهذه القضايا المبثوثة في هذا البرنامج، والتي كما أشار أخي فضيلة الشيخ: أحمد بن عبد العزيز الحمدان أنهم في منتصفه، أو في آخر المجموعة الأولى منه، وجدت أن القضايا أو بعض هذه العناوين فيها شيء من التشابه، ولا غرابة؛ لأن القضايا المثارة في الساحة ما أثيرت إلا بسبب الرياح التي تهب على كثير من بقاع وديار المسلمين من الشرق والغرب، فتأملت فيما قد يحتاج إلى مزيد تركيز، فرأيت بعض عناصر قد أعرضها كلها أو أعرض شيئاً منها حسب ما يتسع له المقام، وإن كان بعضها يدل على بعض، فأولها موضوع قضية المرأة، والثاني استعراض آيات كريمات تجسد ما سوف نعنيه بقضية المرأة، ثم الوضع السيئ للمرأة في ممارسات بعض المسلمين، ثم شعار تحرير المرأة، ثم فكرة الصراع بين الرجل والمرأة، ثم تعليم المرأة، ثم عمل المرأة، وأقف عند هذا المصطلح، أو بتعبير أدق الحط من عملها في المنزل، ثم المرأة في الواقع المعاصر أو المرأة بين نظرتين.
ولا أدري هل سوف يتسع المقام لكل هذا؟ ولكني رأيت أن هذا كله مما يدخل في التغريب، على أن للتغريب أيضاً مفردات أخرى قد لا يتسع لها المقام، مع أن كثيراً من دعاة التغريب وخاصة حينما ينظر في أول ما ابتدأت هذه الرياح -كما قلت- أن كثيراً ممن تبنوها غير محمودي السيرة، تشربوا ثقافة غير ثقافة أهل الإسلام، لهم اتصال فكري وقد يكون بعضه سياسي مع جهات استعمارية، وبخاصة نشوء مثل هذه التيارات والرياح: قضايا الحجاب، والاختلاط، وقوامة الرجل، والخلط بين العادات والأحكام الشرعية، أو محاولة القول بأن الأحكام الشرعية نوع من العادات كما في الحجاب وقالوا في الفصل بين الرجل والمرأة، وأيضاً قضايا اللباس والاحتشام في قضايا نتعرض لها في ثنايا الحديث.
أولا: ً قضية المرأة.
لا تظنوا أن قضية المرأة هي وليدة الساعة، أو أنها أتى بها المستغربون، أو من يزعمون النهضة والتقدم ونحو ذلك، المرأة صنو الرجل، والمرأة جزء من الحياة، والمرأة ركن شاء الله عز وجل لها ذلك، وأعطاها من المسئولية وحفظ لها من الحقوق ما للرجل، ولهذا سوف أستعرض معكم آيات من كتاب الله عز وجل، وعليكم أن تستصحبوا أن قرآننا تنزل على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، وعليكم أن تتفكروا كيف كان العالم قبل ألف وأربعمائة سنة أو ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، كيف كان اليونان؟ كيف كان الصينيون؟ كيف كان الهنود؟ كيف كان الرومان؟ كيف كانت أوروبا بأجناسها؟ كيف كان اليابانيون؟ كيف كان الفرس، كيف كان العالم؟!
لا يكاد ينظر في شيء، ولا تكاد تكون حضارة محفوظة ومكتوبة ومدونة كحضارتنا أهل الإسلام أبداً، إنما رءوس أقلام، وخطوط باهتة عن بعض الشخصيات كـ أفلاطون، أو بعض الملوك ونحو ذلك ككسرى وقيصر، لا تكاد تجد شيئاً مكتوباً يمثل حضارةً متقدمة تقدماً علمياً، وبخاصة في قضايا المرأة، في قضايا الحقوق.
وأما كتاب ربنا فتنزل بهذا الحديث المستفيض عن الحياة كلها، عن المستويات فيها، بقطع النظر عن كلام الآخرة فهذا شيء جلي وليس محل حديثنا، حديثنا عن القرآن والسنة؛ قرآن نبينا الذي تنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرته في قيام هذه الحياة برجلها وامرأتها، أتى دينٌ كامل، وفصل كل قضايا الحياة ودقائقها، بما في ذلك قضية المرأة، فلا يظن الظانون حينما نتحدث عن المرأة في هذا العصر الذي يزعمونه عصر نهضة وتقدم؛ أننا ندافع، أو أننا في الموقف الضعيف، أو أننا كنا في الظلمات.
القضية كبيرة: أوروبا كانت في عهد ظلمات وفي القرون الوسطى، وكنا في عصور النهضة، كان ديننا هو القائد، وكان ديننا هو الحاكم، وكانت حضارتنا هي التي تغطي العالم، وحكمنا لا تغيب عنه الشمس؛ بعدل ونور وعدالة، وحقوق بينه للرجال والأطفال والنساء، والحيوان والحجارة والأشجار، وحقوق المسلمين وغير المسلمين من الرهبان والشيوخ والصبيان، فإذا كانوا يتحدثون عن عصر ظلمات فهو في حقهم هم.
إذاً: فحينما نتحدث عن قضية المرأة فنحن لا نتحدث من موقف ضعف ولا لأننا محل شبهة، نحن نقول: قال الله وقال رسوله في وحي تنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنوعية القرآن والسنة منذ أربعة عشر قرناً.
أولاً: من المعلوم في أسلوب اللغة العربية أن الخطاب للذكر هو خطاب للأنثى من باب التغليب، وهذا أسلوب في لغة العرب، بل حتى في اللغات الأخرى وهو ما يسمى بالجنس، فحين يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ليس المقصود الذكر وحده، وحينما يقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] معلوم أنه لا يراد به الذكر وحده، وحينما يقول: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] بالاستثناء لا يريد به الرجال وحدهم، وهذا كثير، ومعروف في اللغة وعند الفقهاء رحمهم الله، فأي حكم فهو للرجال والنساء؛ هذا جانب.
إذا خصت المرأة بخطاب، وهذا هو الذي سوف نستعرضه فيما بين يدي من آيات، فهي في الكلام عن المرأة.
وأعيد مرة أخرى أن قضية المرأة قضية مبحوثة في ديننا بكل جوانبها، لا لأننا من موقف ضعف، وإنما فعلاً لأن الدين جاء لإقامة الحياة على وجهها بذكرها وأنثاها، ولهذا حاولت أن أحصر الكلام في أربعة موضوعات هي في بعض آيات كتاب الله:
أولها: آيات في المساواة في الخلق والتكوين والأصل.
ثانياً: آيات في خطاب التكليف والمسئولية.
ثالثاً: آيات في أحوال الاستضعاف.
رابعاً: آيات في الجزاء والثواب.