أما السر الآخر: فيتمثل في جماهير الأمة التي حضرت، وضاق بها رحب المكان في هذا المسجد، فلأول مرة تمتلئ ساحات المسجد وسطوحه وخلواته، والساحات المحيطة به، والشوارع، ويزدحم الناس، وتغلق الشوارع، ويعود الكثير منهم القهقرى؛ لأنه لم يجد مكاناً يتبوءه ويقعد فيه، إنني سألت نفسي وأنا أرى هذه الجموع تتدافع وتتضايق لماذا جاء هؤلاء؟! حمداً لله تعالى أتم الحمد وأكمله وأوفاه.
كنا نقرأ في الصحف، ونسمع في الأخبار، أن لاعباً سوف يتناول طعام الغداء في المطعم الفلاني في الرياض، وأن جماهير من الشباب قد اصطفت صفوفاً وطوابير من أجل أن تشاهده وتلقي عليه نظرة، أو ربما تظفر بأن تصافحه فضلاً عن أنه قد يتمكن من التوقيع لهم على ورقة أو كتاب أو خطاب أو غير ذلك.
فيحزننا ذلك كثيراً.
وقد نسمع مثل هذا في حضور ممثل أو فنان أو شهير من المشاهير في جدة، أو في أي مكان آخر من هذه البلاد أو في غيرها، فكانت قلوبنا تنطوي على إغماض كبير وحزن شديد.
فإذا بنا نرى جموع المسلمين الصادقين المؤمنين تحضر، وهي لا تطمع في أكثر من أن ترى بعينيها من طالما استمعت إليهم بأذنيها، وربما تمكنت أن تصافحهم أو تحييهم أو تبتسم لهم أو تعرب لهم عن المحبة لله عز وجل.
فالحمد لله أن هؤلاء العلماء والدعاة بل وهؤلاء الشباب من الحفاظ والقراء وطلاب العلم الذين حضرت الأمة وحضر ما يزيد -على حسب التقادير المعتدلة- على خمسة عشر ألفاً حضروا ليشاهدوهم! إنهم لا يملكون الدنيا ولا يعطونها، وإنما يملكون أن يقولوا كلمة الحق، ويدعوا الناس إلى الله عز وجل، فكان هذا الحضور مما أبهج نفوس المؤمنين وسرهم، فالحمد لله تعالى على ذلك كثيراًَ.