وأشار أيضاً في مقدمته من جانب آخر، إلى أن أية دولة تمر بخمسة أطوار: ذَكَر الطور الأول منها: وهو أنها أول ما تقوم يغلب عليهم نشوة الظفر، والحصول على المطلوب، فأي مجموعة من الناس، أصحاب عصبية، أو قبيلة من القبائل جاهدت وقاتلت حتى حصلت على المُلك، تجد أنهم في المرحلة الأولى مجتمعين؛ لأن المُلك حصل لهم جميعاً، فبينهم تعاون وتظافر وتلاحم؛ لأن هذه هي العصبية التي قامت عليها الدولة.
وبعد ذلك يأتي الطور الثاني: وهو أن يعمل بعضهم على الاستئثار بهذه الدولة وبهذا الملك العريض الذي ورثوه، فيحرص أحدهم على أن يكون المُلك فيه وفي بنيه من بعده -مثلاً- وأن يكون له السمعة الحسنة، والجاه العريض، فيعطي الناس العطايا، ويصنع الصنائع، ويُحسِن ليُذْكَر، ويقال: عَمِل فلانٌ، ويُنسى مَن عداه، وهذه هي المرحلة الثانية، وسماها ابن خلدون مرحلة أو طور الاستبداد عن المشاركين والانفراد عنهم بالسلطان.
ثم الثالثة: مرحلة أو طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات المُلك.
والرابعة: هي مرحلة الخنوع والمسالمة والتقليد للسابقين؛ بحيث يقول الإنسان: ما كان عليه آباؤه وأجداده هو السليم، والخروج عنه قد يؤدي إلى الانهيار.
وأخيراً: مرحلة الإسراف والتبذير؛ حيث يصطنع الحاكم قرناء السوء، ويقربهم منه، ويُبْعِد الجلساء الصالحين الناصحين، فيحملون عليه ويحقدون، ويتمنون زواله.