ونبدأ الحديث عن مدى حاجة الأمة وعن واقع الأمة الذي تعيشه الآن, الذي يجعلها في أمس الحاجة إلى أن تحيي هذه الفريضة, وأن يُذكر الناس بها قولاً وفعلاً.
هذه الأمة المسكينة المستضعفة, ولا أستطيع أن أطيل الحديث عن واقعها السيئ الذي تعيشه من جميع الجوانب, وإنما سأعرض لموجز قصير مركز وسألتزم بما ألزمت به إخواني وجزاهم الله خيراً, ولست بالآمر لهم ولكن أقول: إن هذه الأمة تعيش فترة من أحلك ظروفها ومن أحرج أوقاتها، فبماذا نبدأ الحديث عن واقع هذه الأمة؟ هل بالجانب العسكري وهي فيه بما تعلمون من الضعف ومن الذلة والقلة، لا أقول القلة العددية, فعددها كبير؛ ولكن أقول: القلة المعنوية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصف هذه الأمة في عصر من عصورها ويقصد آخر زمانها, أنها تكون كغثاء السيل, قيل: يا رسول الله! أمن قلة نحن في ذلك الوقت؟ قال: {لا، أنتم كثير ولكن غلبكم الوهن، حب الحياة وكراهية الموت} فهذه القلة التي نعيشها, القلة المعنوية, والهوان الذي تعيشه هذه الأمة نتيجة تفريطها بشرع ربها, ونتيجة تركها لباب من أعظم أبواب الخير وهو باب الجهاد.
هذه الأمة تعيش -كما ترون- حالاً سيئة في كل جوانب واقعها, ولنبدأ بالجانب العقائدي، وجانب تطبيق الشريعة الإسلامية.
فأمة الإسلام تعيش وضعاً يؤلم كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان, تنتشر فيها البدع, وتنتشر فيها الضلالات, وينتشر فيها الشرك ويكثر، له دوره وقصوره وبيوته ومنازله, وله سدنته وهياكله, وينتشر فيها الفساد والانحلال والانحراف, وينتشر فيها البعد عن شريعة الله جل وعلا, التي أزيحت قليلاً قليلاً عن قيادة هذه الأمة حتى سُلخت أو تكاد أن تكون سلخت من دينها تماماً.
وأصبح المهيمن المسيطر في واقع الأمة الإسلامية -وبإشراف أَُناس يتسمون بالإسلام- أصبح المهيمن المسيطر هو نظم الكفر, والضلالة, أزيحت شريعة الإسلام علناً وقصداً وعمداً، ولم يبق من الإسلام في شرائعه مسموح له بالعمل والحركة في أغلب بلاد الإسلام وأكثر دياره إلا ما يسمونه بجانب الأحوال الشخصية, وهو الزواج والطلاق والمواريث، وحتى هذا الجانب الضيق من جوانب الشريعة الإسلامية, لم يتركوه بل تدخلوا فيه وبدلوا وغيروا, حتى ضيقوا على هذا الجانب الضيق الذي تركوه للإسلام من الشريعة.
أما بقية شرائع الإسلام بكافة شمولها وكافة سيطرتها على جوانب الحياة, فقد ألغيت تماماً من حياة الأمة، إذاً: وضع عسكري ضعيف, أو يكاد يكون معدوماً، ووضع اجتماعي وشرعي وعقائدي مُزرٍ يؤلم حال كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان, حتى أنك تدخل البلد المسلم وتدخل البلد الكافر فلا تجد فرقاً كبيراً بين هذين البلدين إلا بوجود المنائر المرتفعة في هذه البلدة أو تلك, وأما ما عدا ذلك فليس هناك فرق؛ العري والتكشف, والتحاكم إلى غير شرع الله, والخرافة والبدعة والضلالة, وكل سوء يتصور الإنسان وجوده في بلاد الكفر فهو كذلك موجود في بلاد الإسلام إلا من رحم الله.
حال سيئة، مذلة ومهانة, استذلال واستهانة, وإراقة لا تتوقف للدماء التي تجري أنهاراً في كل ركن من أركان الأمة الإسلامية, بماذا نبدأ وبماذا ننتهي؟! ماذا نقول؟! هل نتكلم عن الهند؟ أم نتكلم عن الصومال؟ أم عن بورما؟! أم نتكلم عن كشمير؟ أم عن فلسطين؟ أم عن الجرح الجديد النازف في سراييفو والبوسنة والهرسك؟ أم عن ماذا نتكلم؟!! ليس هناك مكان تقريباً في أمة الإسلام إلا وفيه جرح ينزف، أقول: هذا الواقع السيئ وهذا التفكك السياسي, وهذا التفكك المذهبي, وهذا الانحلال الخلقي, وهذا البعد عن شريعة الله جل وعلا, وهذا الضعف العسكري, وهذا الهوان على الله وعلى الناس, لا دواء له إلا بالجهاد في سبيل الله, هناك أدوية كثيرة، وهناك محاولات مشكورة, ولا تنس ولا تُترك من التعلم والتعليم والتوجيه, وكلها أمور لا ينبغي أن نغفل عنها, ولكن عِزَّ هذه الأمة إنما هو بالجهاد في سبيل الله، الذي هو ذروة سنام الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول: لا تزول هذه الحالة، وسنبذل وسيبذل الخيرون في هذه الأمة الآن وبعد الآن وفي هذا الجيل وأجيال قادمة سيبذلون جهوداً كبيرة لإصلاح هذه الأمة، وسيوفقون في جوانب, ولكن الحل الحقيقي لهذه الأمة هو الجهاد في سبيل الله.
الجهاد في سبيل الله هو الحل الحقيقي لهذه الأمة، هو الذي سيعيد إليها وحدتها، وقوتها، وعزتها، والعمل بشريعة ربها.
أنا في اعتقادي -والكلام لإخواني المشايخ أساتذتي ومشايخي: إن كل جهد لا يربط بالجهاد في سبيل الله أنا أقول وأعتقد والله أعلم أنه لن يؤتي الثمرة المرجوة, التي تراد ويريدها الله من هذه الأمة؛ لأن أعداءنا كُثُر ولن يسمحوا لنا وهم أقوياء كما نعلم ولا ننكر قوة عدونا, لن يسمحوا لنا إطلاقاً أن نستعيد زمام المبادرة والقيادة إلا بقوة السلاح والحديد والنار, هذه حقيقة واقعة لا بد أن نعرفها ونذكرها جيداً، ولا نغفلها عند الحديث عن إصلاح حال هذه الأمة، وقد وصلت أحوالها إلى ما وصلت إليه.
هذا موجز قصير حول أحوال هذه الأمة وربط هذا الأمر، إنه لا عودة لعزة هذه الأمة وقوتها ومنعتها, وكذلك لا عودة لشريعة ربها لتحكم حياتها إلا بالجهاد في سبيل الله, وإزالة كل طاغوت كافر في هذه الأرض يقف في وجه هذه الدعوة ويتحداها بقوة سلاحه، وبقوة إعلامه، وبقوة علمه، وبقوة تقدمه وتحديه وتنظيمه.
بعد هذه المقدمة الموجزة القصيرة حول أحوال هذه الأمة نوجه إلى إخواننا من المشايخ جزاهم الله عنا وعن الإسلام خيراً, إلى الحديث حول عناصر هذه الندوة، ونبدأ بالعنصر الأول: حول دور الجهاد في تأريخ هذه الأمة.
فإننا نعرف أن تأريخنا تأريخ مشهود، وأن للجهاد فيه دوراً كبيراً, نرجو ونتمنى من الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين جزاه الله خيراً أن يحدثنا عنه.