السؤال يقول: إنه مبتلى بالنظر الحرام -ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى ونسأل الله تعالى العافية- وقد عالجت نفسي كثيراً، لكنني اتركه يسيراً ثم يسول لي الشيطان فأرجع، فأرجو أن تبينوا لي الأسباب التي أترك بها النظر ومن ثم أغض بصري، وأنا -بحمد لله- ملتزم وأحفظ القرآن -ولله الحمد والمنة- لكن تساهلي بالنظر أقلق راحتي لا سيما في هذا الشهر الكريم والله المستعان، وأرجو أن تدعو لي في هذا المكان المبارك، وجزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة للدعاء فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك غض البصر عن الحرام، وأن نستخدم كل أعضائنا وجوارحنا فيما يرضيه ويقربنا إليه إنه على كل شيء قدير، وغض البصر هو من الأمور التي في البداية تكون سهلة هينة، فإن العبد ما دام غاضاً بصره لا ينظر إلى ما حرم الله فإن الأمر عليه يسير، لكن إذا أطلق بصره في ذلك وبدأ ينظر في وجوه النساء والمردان، وإلى الصور، واسترسل فإنه لا يزيده ذلك إلا شدة وولعاً وتحرقاً وتحركاً في شهوته كما قال الشاعر: والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين العِين موقوف على الخطر يضر مهجته ما سر مقلته لا مرحباً بسرور جاء بالضرر كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر فعلى الإنسان الذي لم يبتلَ بهذا الأمر أن يعتني عناية تامة بغض بصره؛ لأنه ربما نظرة واحدة تهلك صاحبها، وعندي في ذلك من الرسائل من بعض من ابتلوا بهذا؛ شيء يدمي له القلب، وتتقطع له نياطه، وتدمع له العين، فمن عوفي من هذا؛ فليحمد الله، وليعتني عناية تامة بغض بصره، ومن ابتلي بشيء من ذلك فعليه أن يسارع بالعلاج، مع معرفته بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا شفاء إلا من عند الله، وأن نواصي العباد كلها بيد الله تعالى.
فليلجأ إلى الله تعالى في أوقات الدعاء وأوقات الإجابة كالأسحار، وعقب صلوات الفريضة، وفي آخر ساعة من الجمعة، وعند دخول الإمام، وفي سجوده وغير ذلك، وليضرع إلى الله تعالى بعين باكية، وكلمة صادقة أن ينقذه الله تعالى من هذا الأمر، ثم عليه أن يتخذ الأسباب المعينة على ذلك، ومن أهمها: تجنب مجالسة الأشرار الذين قد يزينون له هذا الأمر، فإن صحبة الأشرار شر تورد صاحبها الموارد، وعليه أن يصحب الأخيار الذين يعينونه على الطاعة وغض البصر كما قال الشاعر: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي كما أن عليه أن يدمن النظر ويمعنه في كتاب الله تعالى، ويتملاه ويقرؤه، فإن فيه غناء وشفاء وعافية، كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وليقف عند قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] زكاة الباطن هي التي بها النجاة والفلاح قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] .
وأنت إذ تصلي أو تصوم أو تزكي، فإنما تطلب زكاة نفسك، فكيف تهدم هذا كله بنظرة حرام، قد توردك إلى تحريك شهوة، ثم إلى الوقوع في فاحشة؟ وأنصح الأخ -أيضاً- بتجنب المواقع والأماكن التي يوجد فيها ما يدعو إلى النظر، كالخروج إلى الأسواق مثلاً، خاصة أماكن تجمعات النساء، ومثله اقتناء المجلات الخليعة، أو الأشرطة والأفلام التي تعرض المسلسلات الهابطة، أو تعرض الحفلات الماجنة والرقصات الخليعة، أو العروض السينمائية الضارة، التي هي مما يضر ولا ينفع.
وعليه أن يتقي الله تعالى فيما علَّمه من كتابه؛ لأن الإنسان إن لم ينصاع لأوامر القرآن، فجزاؤه أن يسلبه الله تعالى حفظه، فليتق الله هذا الإنسان فيما أعطاه الله تعالى وعلمه.