جوده في غنائم معركة حنين

وفي معركة حنين آل الأمر إلى انتصار المسلمين فغنموا أموالاً كثيرةً جداً، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أقوام من الذين هم حديثو عهد بالإسلام، فهم مسلمون يحتاجون إلى تأليف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مائة من الإبل، أعطى عيينة بن الحصن مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة أخرى، وأعطى العباس بن مرداس خمسين، فجاء العباس بن مرداس وهو شاعر فحل؛ وقال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معاتباً له لماذا تعطيني خمسين وتعطي هؤلاء مائة فقال: يا رسول الله! أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع أي الشيء الذي أنا حصلت عليه بشجاعتي أعطيت الأقرع وعيينة ولم تعطني أنا: فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع يقول آباؤهم ليسوا أحسن من أبي: وما كنتُ دون امرئ منهما ومن يخفض اليوم لا يرفع آباؤهم ليسوا أحسن من أبي، وهم ليسوا أحسن مني، ومن خفضته اليوم لا يرفع إلى يوم القيامة، فأكمل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة، وبقي الأنصار رضي الله عنهم، فلم يحصلوا على ما حصل عليه هؤلاء، وهم المسلمون القدماء والمجاهدون البواسل والشجعان، فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغطاً في مجالسهم وأحاديثهم، فجمعهم في خيمة ثم أتى إليهم وقال: {لا يأتي إلا أنصاري} فلما اجتمع الأنصار، جاء عليه الصلاة والسلام.

ماذا تتصور أن يعطي الأنصار؟ المال؟ انتهى وما بقي في يده مال؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أعطى هؤلاء المؤلفة قلوبهم ودياناً من الإبل والبقر والغنم وغيره، فماذا بقي لهم؟ فجاءهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاهم شيئاً آخر أثمن من الذهب والفضة، وأثمن من الإبل، فخطب وقال: {يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: بلى.

قال: وعالة فأغناكم الله بي؟ قالوا: بلى، قال: ومتفرقين فجمعكم الله بي؟ قالوا: بلى.

فلله ولرسوله المن والفضل، قال: مقالة بلغتني عنكم وحديثاً سمعته منكم، في أموال أو لعاعة من الدنيا أعطيتها أقواماً أتألفهم على الإسلام، -من أجل أن أؤلف قلوبهم على الإسلام- ألا يسركم أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فبكى الأنصار حتى اخضلت لحاهم من الدموع، وهم يقولون: رضينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسماً وحظاً، رضينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسماً وحظاً} تكفينا أنت يا رسول الله، تكفينا أننا سوف ننقلب وأنت بين أظهرنا، وأنت عندنا نذهب بك إلى رحالنا فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه إلى السماء، وقال: {اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار} كرم لا حدود له، إذا انتهى المال جاد بألوان أخرى من الأعطيات، كما رأيت عليه الصلاة والسلام.

وكرمه صلى الله عليه وسلم بالمال شيء عجيب! حتى إنه لا يقول: لا.

أبداً صلى الله عليه وآله وسلم: ما قال "لا" قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم حتى إنه يعطي أحياناً أناساً قد لا يكونون مستحقين في نظر الإنسان العادي، ويترك من هو أحق منه في نظره رعاية للمصلحة، كما في حال المؤلفة قلوبهم، فهذا شأنه صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015