ثم تنظر في الطرف المقابل فتجد أن أهل الخير والإسلام الذين هم أولى الناس بهذه المجتمعات, وبأن يكونوا روادها, وأن يكونوا ممن يوجهون مسيرة الفكر والرأي والحياة في هذه المجتمعات، ويؤثر في أجيالها وشبابها ذكوراً وإناثاً, يغلب عليهم طابع حب الهروب، وأنا والله أقول لكم هذا الكلام، وأنا أدين نفسي بمثل ما أدينكم, حب الهروب من المواقع المؤثرة, تجد الواحد منا حين يطلب منه أن يلقي محاضرة أو كلمةً أو درساً يصيبه هم شديد، وضيق ويعتذر بكل وسيلة ما أمكنه الاعتذار.
وقد يدرك في قرارة نفسه أن هذا العمل الذي اعتذر منه، قد لا يقوم به أحد أصلاً, وأنه عمل فيه فائدة، لكن تجد أنه إما إيثار الكسل والراحة, وإما -مثل ما ذكرت قبل قليل- الخوف من عدم صلاح النية, أو من مداخلة شيء من الرياء, أو من مدح الناس, وفي أحيان أخرى يكون عنده الشعور بالرغبة في أن يظل بعيداً عن الأضواء, لأن الأضواء لها تكاليف؛ لأن الإنسان إذا عرف ولو في نطاق معين, يدفع ثمنها, بخلاف الإنسان المغمور, فتجده مرتاحاً مع أهله وأولاده في بيته يفعل ما يشاء, لا يوجد أحد يمكن أن يؤثر في حياته.
فتجد الإنسان يؤثر الهروب من مواقع التأثير, والقيادة الفكرية والاجتماعية, ويترك هذه المجالات لمن؟! كل واحد يجب أن يسأل نفسه, سؤالاً جاداً, هل هو يتركها فعلاً لمن يعتقد أنهم أكفأ منه وأحسن وأجدر؟!!
صلى الله عليه وسلم لا, إنما يتركها للعلمانيين والحداثيين, أو على أحسن الأحوال يتركها لأناس يدرك هو أنهم ليسوا أهلاً لهذه الأشياء.