أما الورع فهو -كما ذكرت- ترك ما قد يضر, مثل المحرمات والمكروهات هذه شأنها ظاهر, لكن بعض الأمور قد تشتبه بالمحرمات، مثلاً: لنفترض أنك دخلت في مسابقة من المسابقات، أو في مساهمة من المساهمات، فحصلت على مال كجائزة أو كربح لهذه المسابقة, وحصل عندك شبهة قوية في هذا المال, أنه قد يكون محرماً؛ لأنه ربما يكون عن طريق قمار أو شبه قمار، فشككت في ذلك أو في مصدر هذا المال، أو كونه جاء عن طريق الربا، أو ما أشبه ذلك فصار عندك شبهة في هذا المال أنه محرم، أو شبهة في أنه مكروه, فتتركه حينئذٍ فهذا مشروع.
لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير لما ذكر الحلال والحرام: {إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس} والاشتباه ليس مطلقاً دائماًَ، أحياناً قد يكون مشتبهاً بالنسبة إليك، ولكن عند غيرك ظاهر الحرمة، أو ظاهر الحل, لكن ما دمت أنت قد وقع عندك شبهة قوية، فالورع في حقك أن تتركه.
ولذلك قال: {لا يعلمهن كثير من الناس -ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم- فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه} استبرأ لدينه أن يقع في الشبهة فتجره هذه الشبهة إلى الحرام, وقد يكون هذا المشتبه في واقع الأمر محرماً, واستبرأ لعرضه في الوقيعة فيه وكلام الناس فيه: {ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام -كان هذا سبباً وسبيلاً إلى تجرئه على الحرام- كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه} .