وهنا قد يقول القائل: وما هو المخرج من ذلك كله؟ فأقول: أما فيما يتعلق بالشبهات التي تواجه الإنسان فإن علاجها يكون بأمور: الأمر الأول: هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فقد يكون الأمر الذي يعرض لك ليس شبهة حقيقية، وإنما هو من نوع الوسواس، فإذا أكثر الإنسان من الاستعاذة بالله انصرف الشيطان عنه وابتعد.
الأمر الثاني: هو العلم النافع، فيحرص الإنسان على معرفة القرآن والسنة، وعلى مجالسة العلماء، وعلى علاج هذه الشبهات التي انقدحت في قلبه بحسب نوع الشبهة.
أما فيما يتعلق بمرض الشهوة: فإنه مرض في منتهى الخطورة لأسباب: الأمر الأول: شدة ثوران الغريزة عند الشباب.
الأمر الثاني: كثرة المهيجات التي تثير هذه الغريزة عند الإنسان، فقد يكون الإنسان صالحاً في نفسه، لكن إذا التفت يمنة ويسرة فوجد من الصور الخليعة ما يثيره ويحركه؛ فإنه عندئذ يحتاج إلى جهد كبير ليتخلص من ذلك؛ ولأن هذا ليس هو موضوع الحديث الأصلي فإنني لن أطيل في علاج هذه الشهوات ولكني أقدم نصيحة ثمينة هي التي أوصى الله تبارك وتعالى بها المؤمنين: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] فغض البصر هو الدواء الناجع، فأنت إذا أطلقت بصرك رأيت من المناظر ما يؤثر في قلبك، وإذا تأثر القلب فإن الأمر خطير، ومرض القلب سواء أكان مرضاً حسياً أم معنوياً ليس كأمراض الجوارح، والقلب كالإناء والجوارح تصب فيه، فما تراه بعينك، وما تسمعه بأذنك، وما تلمسه بيدك، وما تمشي إليه برجلك أثره في قلبك، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإذا ذكرت الله بلسانك تأثر قلبك وخشع، وإذا تكلمت بكلام الفحش تأثر قلبك سوءاً وقسوة، وإذا نظرت بعينك في آيات الله وتأثرت بها وجدت إيماناً بالله.
لكن والعياذ بالله إذا نظرت إلى المحرم فإنه يورث قلبك حسرة دائمة فقديماً قيل: كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر فهذه النظرة العابرة التي يخدعك بها الشيطان بطريقة أو بأخرى -أحياناً-، يقول لك: نظرة سريعة ولا تتوقف، انظر واصرف بصرك، هذه النظرة البسيطة هي كالشرارة التي قد تحرق مدينة بأكملها ومعظم النار من مستصغر الشرر.
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر نعم والله، إن النظرات سهام مسمومة مهما صغرت، وإن الإنسان الذي يستطيع أن يكف بصره عن الحرام سيجد في قلبه من الرَوح واللذة ما لا عهد له به، وفي الحديث {النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه خشية لله أورثه الله عز وجل إيماناً يجد لذته في قلبه} سبحان الله! هذه لذة الطاعة، إذا أنت صرفت بصرك ثم أيقنت أنك لم تصرفه إلا لوجه الله، نشط الإيمان في قلبك، ولكن إذا عاودت النظر ثم صرفت بصرك -وأنت بحمد الله مؤمن- بدأت نفسك توبخك على هذا العمل، وبدأ ضميرك يعاتبك عليه، فيكون الإنسان في عذاب دنيوي، وكذلك إذا لم تتداركه رحمة الله تبارك وتعالى فهو في عذاب أخروي.
فأعظم وصية يوصى بها الشاب وغير الشاب هي أن يصرف بصره، بل أن يغض بصره عما حرم الله؛ لأن غض البصر يقطع الداء من أصله، لكن لو أطلق الإنسان بصره فنظر فوقعت هذه الصورة في قلبه، فيصبح والعياذ بالله في حال قد يصعب عليه علاجها، وكم نعرف في تاريخ هذه الأمة من الناس الذين أطلقوا العنان لأعينهم؛ فرأوا هذه المشاهد والمناظر المؤثرة فمرضت قلوبهم وأجسادهم والعياذ بالله، وخسروا دنياهم وربما خسروا أخراهم -أيضاً- بسبب نظرة واحدة، فالحذر من أن نستعمل هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وهي نعمة البصر فيما حرم الله علينا.