هذا يذكرني بالقصة التي حصلت لـ عبد الله بن المبارك، وكان من علماء السلف، ذكر العلماء كـ الذهبي وغيره، أن هارون الرشيد خرج إلى الرأفة، زار بلداً من بلاده، وكان موكب هارون الرشيد يسير في اتجاه، معه الجنود والشرطة والخدم والأعوان إلى آخره، وأم ولد -أمة- عند هارون الرشيد، وجدت أن موكب هارون الرشيد يسير في هذا الاتجاه، والناس يتجهون إلى مكان آخر قالت: إلى أين يسير الناس؟ فالعادة أن الناس يستقبلون الأمير الخليفة، ما بال الناس يسيرون في اتجاه آخر؟ فقيل لها عبد الله بن المبارك أمير المؤمنين في الحديث -يعني في العلم- قد قدم إلى الرأفة، فالناس قد انجفلوا إليه، وثار الغبار وتقطعت النعال وعبد الله بن المبارك ليس معه شُرط، ولا أعوان ولا خدم، ولا حاشية، ولا، ولا ما معه إلا حماره الذي يركبه، وربما يكون معه واحد أو اثنان أو ثلاثة من تلاميذه، والناس منجفلون إليه، وتعجبت هذه المرأة، وقالت: هذا والله هو الملك، هذا والله هو الملك، لا ملك هارون الرشيد، الذي يقاد الناس إليه بالسياط، كالشرط والأعوان، فالناس تحف قلوبهم بالإنسان الصالح المحسن إليهم، الحريص على مصلحتهم الدينية والدنيوية.