نموذج ثالث: شيخ الإسلام ابن تيمية كان يخرج بطلابه إلى الأسواق، فيكسرون آنية الخمر، ويشققون قربها، ويهريقونها، ويكسرون ما يجدون من الطبول وآلات اللهو، وقد خرجوا إلى جبل النُصيرية فأدبوا النصيريين، وألزموهم شعائر الإسلام الظاهرة، وكان لهم في ذلك جهد معروف في التاريخ، ذكره ابن كثير وابن رجب وغيرهما من الذين ترجموا لشيخ الإسلام ابن تيمية.
أعجب من هذا كله، أن ابن تيمية استطاع أن يكسب قلوب الناس، بصدقه ونصحه، وبذله الجهد حتى في مصالح الناس الدنيوية، كما قال الذهبي: أنه كان يتعب في خدمة الناس ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، بلسانه وقلمه، وجاهات، وإصلاح، وخدمة، ونفع، ودفع ظلم، وما يستطيع.
ولذلك كان له نفوذ كبير في نفوس الناس، هذا الأمر جعله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على مستوى رفيع، ذهب إلى السلطان المملوكي في مصر، لما جاء التتار إلى بلاد المسلمين، وقد رأى أن سلطان مصر قد أبطأ في المجيء إلى الشام، فقال له: -انظروا الأسلوب الذي يتكلم به ابن تيمية -: إن كنتم قد أعرضتم عن الشام، وتركتموه فإننا -لاحظوا الضمير- نجعل له من يحوطه ويحميه في زمن الخوف ويستغله في زمن الأمن، ثم تلا قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] .
فجاء السلطان إلى الشام، وكان من ضمن ما قال له -أيضاً- أنه قال: لو قُدر أنكم لستم حكام الشام، ولا ملوكه، واستنصركم أهله؛ وجب عليكم النصر، فكيف وأنتم حكامه وملوكه، لا يسعكم إلا الخروج، وجاء معهم فجاءوا وكان رضي الله عنه ورحمه يخرج مع الناس في المعارك، ويثبت قلوبهم بالوعظ والتذكير والآيات والأحاديث حتى انتصر المسلمون، وكان يقول لهم: إنكم منصورون، فيقولون له: يا إمام، قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وهكذا كان فعلاً.
والأمثلة والنماذج في هذا الباب كثيرة، أكتفي منها بما سبق وأرجو الله أن يجعلنا جميعاً من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والحافظين لحدود الله، والله تعالى أعلم.