أبو سعيد الخدري

خرج مروان بن الحكم وكان والياً على المدينة، في يوم أضحى أو فطر، كما في حديث أبي سعيد الخدري في البخاري، وكان ثمة منبر بناه كثير بن الصلت، خارج المدينة لصلاة العيد، فجاء مروان ليرتقي المنبر، ليخطب بالناس في يوم العيد، فقام إليه أبو سعيد الخدري وجبذه وجره وتله بقوة، إلى أين؟ فشد مروان يده من أبي سعيد وارتقى المنبر ثم خطب، فلما انتهى، قال له أبو سعيد: [[خالفت السنة]] أو قال له: [[غيرتم والله]] فقال: يا أبا سعيد: [[قد ترك ما تعلم]] ما تعهده وتخبره من كون الصلاة قبل الخطبة ترك، تركه الناس؛ لأن معاوية رضي الله عنه -أيضاً- قد خطب قبل الصلاة، [[فقال له: قد ترك ما تعلم، قال أبو سعيد: والله إن ما أعلم خير مما لا أعلم -لأنه لا يعلم إلا ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم- فقام مروان يعتذر منه، وقال له: إننا إذا أخرنا الخطبة بعد الصلاة خرج الناس، فلم يستمعوا إلينا، فقدمها حتى يستمع الناس إليه]] .

وهذا دليل على أن الناس قد يصابون بنقص في أمور دينهم، فيجرهم النقص إلى نقص آخر، فغفلة الناس وإهمال المجتمع لاستماع الخطبة؛ جعل الله عز وجل يسلط عليهم ولاة يخطبون قبل الصلاة! لاحظ هذا يُصْدُق على ما ذكرت قبل قليل من العقوبات، فكون الناس لا يستمعون الخطبة، سلط الله عليهم بذلك أمراء يخطبون قبل الصلاة، كـ مروان بن الحكم.

مرة أخرى قام مروان في أحد الأعياد، وجاء ليرتقي المنبر ويخطب، فقام إليه رجل -وهذه الرواية في صحيح مسلم عن طارق بن شهاب - وقال له: يا مروان [[خالفت السنة]] باسمه الصريح: يا مروان فقال له مروان: [[قد ترك ما هنالك]] قال أبو سعيد -معلقاً على الموقف-: أما هذا فقد قضى ما عليه -قام بما يجب عليه- سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} ولذلك كان التغيير بالقلب واجباً على كل إنسان -بلا خلاف- (وذلك أضعف الإيمان) ، لماذا أنكر هذا الرجل علناً؟ لعدة أسباب: أولاً: لأن المنكر كان علانية، فمن أعلن بالمعصية أعلنّا له بالإنكار، ومن أسرّ بالمعصية، أسررنا له بالإنكار.

ثانياً: لأن هذا الرجل الذي أنكر على مروان، كان رجلاً -كما ذكر الإمام النووي - معتزاً بظهور قبيلته وقوته ونفوذه فما كان يخاف، أي له مكانة ووجاهة.

ثالثاً: لأن أبا سعيد -والله أعلم- سبق أن أنكر على مروان فأصر، وحينئذٍ استدعى الأمر أن يعلن له بالإنكار، إضافة إلى أسباب أخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015