ومع ذلك فإن هذه المجتمعات، لا يمكن القول بأنها مجتمعات جاهلية مطلقاً -كما يقول بعض العلماء والمفكرين المسلمين- لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنه لا يزال في المسلمين من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال الله عز وجل: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181] وهذه آية عامة شاملة، وقد بينها الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديثه الكثيرة التي منها الحديث المتواتر: {أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة منصورة -وإنما سماها منصورة لأنها مجاهدة، فالنصر من ثمرات الجهاد، وهي تجاهد على أمر الله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ولا يضرها من خذلها ولا من خالفها} .
ولذلك لا يمكن القول بوجود جاهلية مطبقة في الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها، في زمان ما إلا قبيل قيام الساعة، حين يبعث الله تعالى الريح الطيبة، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان إلا قبضته، فحينئذٍ يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر، ويتسافدون تسافد الحمر، يفعلون الفواحش على قارعة الطريق، وأفضل إنسان في ذلك الوقت إذا جاء وهم يفعلون الفاحشة، قال: يا فلان لو اعتزلتم الطريق، لو ما فعلتم الفاحشة في وسط الطريق على الأقل اعتزلوا هذا الطريق، وهؤلاء تقوم عليهم الساعة.
وهنا تلاحظون سراً عظيماً من أسرار هذه الشريعة، هذا السر هو: أن الله عز وجل، أنزل القرآن، وبعث الرسل، وأوجد هذه الكعبة، وأبقى هذه الطائفة المنصورة، لتحقيق الحجة على الناس، وإقامة الدين والشعائر، فإذا تعطلت منافع هذه الأشياء أذن الله بزوالها، وحينئذٍ يبعث الله ذا السويقتين، من الحبشة، فيهدم الكعبة ويستخرج كنزها، لأنه لم يعد من يحج ولا يعتمر ولا يصلي إلى الكعبة، ويرفع الله هذا القرآن من المصاحف وصدور الرجال حتى لا يبقى في الأرض منه آية، ويبعث الله ريحاً طيبة فتقبض أرواح المؤمنين، الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، لأنه لم يعد يوجد من يسمع لهم ولا من يستجيب، وبعد ذلك تقوم الساعة، المقصود أن مجتمعات المسلمين لا يزال فيها من يهدي بالحق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.