هذا التقرير نشر في مجلة أمريكية اسمها "ناشيونال بريفيو وأنا أقرأ عليكم الآن من ترجمة المقال، وهو مقال فيه جوانب تسر المسلم بلا شك، ولكن فيه جوانب تكشف عن حجم العداوة، التي واجهها المسلمون في كل مكان، في أفغانستان، وفي كل بلاد الإسلام: يقول: كاتب المقال واسمه دانيال بايبس: إن الغربيين يعتقدون الآن أن الإسلام اليوم يهددهم أكثر من أي شيء آخر، ولذلك بدءوا يرددون اليوم شعار: "المسلمون قادمون"، بدل شعارهم القديم: "السوفيت قادمون"، وأخذوا يوجهون أعداءهم نحو العالم الإسلامي والشرق الأوسط حيث يتركز المسلمون.
ويعود بايبس بالذاكرة إلى حوالي ستمائة وخمسين سنة مضت، وبالذات إلى عام (1354م) ، عندما عبر الجيش العثماني لأول مرة مضيق الجردينل، إلى القارة الأوروبية، فيقول: منذ ذلك التاريخ، وحتى إيقاف تقدم الجيش العثماني على أبواب فيينا عاصمة النمسا الفترة التي استغرقت ثلاثمائة وخمسة وعشرين سنة، انصبت جميع المحاولات الغربية على السبل الكفيلة بإيقاف تقدم المسلمين نحو أوروبا.
لأن أوروبا نفسها كانت مهددة تحت جحافل الجيوش الإسلامية الجرارة.
يقول: إن خطر الإسلام الكبير على الغرب كان يتمثل حتى الأمس بالتهديدات العسكرية، أما اليوم فإن القوة الإسلامية تحولت إلى حركة فكرية وثقافية، تهدد أسس وقواعد الفكر والعقيدة الغربية.
إذاً: الإسلام يخيفهم حتى حين يكون عقيدة فقط، أو كما يقول: حركة فكرية وثقافية.
ثم يشير إلى زوال الصراع مع المعسكر الشرقي، الذي هو المعسكر الشيوعي -والمقال هذا كتب قبل تهاوي، وتساقط الجمهوريات السوفيتية- يشير إلى تقاسم النفوذ في العالم، ويقول: لم يعد قائماً الآن تهديد وخطر المعسكر الشرقي بالنسبة للغرب، لقد زال هذا الخطر، واليوم تعتبر الأصولية الإسلامية خطراً على الغرب، وهي في نموٍ وتصاعدٍ يوماً بعد يوم، وتشكل خطراً يهدد الغرب بشكل أكثر تعقيداً من خطر الحرب الباردة بين القوتين.
ثم يدعو إلى التصدي للإسلام قائلاً: إن الغرب الذي أزال خطر الشيوعية وخطر الاتحاد السوفيتي، لا بد أن يُفِّكر بجدية في هذا الخطر الجديد، ويجب عليه أن يعتبر الاتحاد السوفيتي أكبر حليفٍ له ومتعاون معه، في مواجهة الأصولية الإسلامية.
إذاً: حلف عالمي دولي، مع أنَّ كل قوة في ذاتها تملك من الإمكانيات ما تملك، لكن مع ذلك يقول: يجب أن يعتبر الاتحاد السوفيتي أكبر حليفٍ له ومتعاونٍ معه، في مواجهة الأصولية الإسلامية.
ثم تكلم بعد ذلك عن إمكانية احتواء المسلمين من الناحية الفكرية، إمكانية صهر المسلمين في الحضارة الغربية، فيقول: إن المسلمين يقاومون بشدة أي محاولة لصهرهم في أي شيءٍ آخر غير الإسلام، فالباكستانيون -مثلاً- في بريطانيا، والجزائريون في فرنسا، والأتراك في ألمانيا، يحاولون تبديل تلك المجتمعات إلى دول إسلامية، في الوقت الذي كان ينتظر أن يذوب هؤلاء في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها.
وفعلاً هناك فرى بأكملها تحولت إلى قرى إسلامية.
وقد حدثني أحد الإخوة وهو ثقة، عن قرية بأكملها في ألمانيا تحولت إلى قرية إسلامية، حتى يقول: إنها قرية على منهج الكتاب والسنة، إلى حد أنه يقول: جاءت امرأة مرة بعد صلاة الجمعة إلى الإمام، أو الداعية الخطيب، فقالت له: إنها مسلمة وزجها كافر ورفض الإسلام، فقال: لا بد أن تفارقه، فقالت: هناك صعوبات وعندي أطفال.
وقال: لا، وتكلم بقوة.
فيقول بعد ذلك قلتُ له: لماذا لم تتلطف معها، وتأتيها بهدوء؟ قال لي: نحن لا نريد المسلم الضعيف، لا نريد إلا المسلم القوي الذي لديه الاستعداد للتضحية في سبيل دينه بكل شيء.
ثم يشير الكاتب في مقاله إلى مسألة التوازن غير المتكافئ بين المسلمين والنصارى، فيقول: العائلة الواحدة في العالم الإسلامي لديها ستة أطفال، بينما العائلة الغربية لديها طفلان فقط، وهذه مسألة تشكل في المستقبل تهديداً آخر للغرب.
ويقول أيضاً: إن الألف سنة الأخيرة مضت في حروب مختلفة بين النصرانية والإسلام، ويعتقد هو أن القرن الحادي والعشرين ميلادي، سميضي بهذا الشكل أيضاً، ثم يضيف: إن الغرب سيزول حتماً بهتافاتٍ تأتي من مهود أطفال المسلمين.
ونحن نقول: قال الله عز وجل: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال:19] يقول: إن الغرب سيزول حتماً بهتافاتٍ تأتي من مهود أطفال المسلمين.
ثم يختم المقال: إن عالم الغرب، وإن كان يتمتع اليوم بقدرة مادية لا نظير لها، إلا أن هذه القدرة لا تستيطع أن تحفظ الغرب في مواجهة الآهات المظلومة للمسلمين، إن الغرب يائس إلى آخر المقال.
المقصود من هذا المقال: الإشارة إلى أن القوى العالمية كلها، شرقيها وغربيها، تتحالف ضد الإسلام، وتعتبر أن أخطر شيء يواجهها الآن هو ما يسمى بالأصولية الإسلامية، ولذلك نحن نواجه عدواً شرساً قوياً موحد الصف، وهذا لا شك فيه ولا غرابة في ذلك، إنما ينبغي أن ندرك نحن حجم هذا العدو، وأن نواجهه بالوسائل المكافئة وما نواجهه من عدونا ليس مستغرباً، وينبغي ألا نحمل عدونا مسئولية ما ينزل بنا، لا يمكن أن نقول: ما نزل بنا من مصيبة مسئوليته تقع على عدونا.
لماذا ما تحقق لك ما تريد؟ قال: العدو هو السبب.
هذا أمر طبيعي، أتريد من العدو أن يسلمك الحصون؟ فينبغي أن ندرك.
ومن المسلم به أن هذا يجعل الإنسان يكون بعيد النظرة، ولا ينتظر نصراً يقطفه بين يومٍ وليلة، أو في أسبوعٍ أو شهر، وأن القضية تحتاج إلى طول نفس، لكن ينبغي أن تقدر قوة العدو، وأن لا تحمل مسئولية ما أصابك عدوك.
ناحية أخرى: حتى ونحن نتكلم عن عدونا وإمكانيات عدونا.
وتحالف عدونا، هناك سؤال لا بد أن نطرحه على أنفسنا: نحن ما درونا في التأثر بعدونا؟ ما دورنا في التأثر بالأقوال التي يقولها، والأفعال التي يفعلها عدونا؟ بل وتسهيل مهمة هذا العدو أحياناً، وأحياناً قد نكفي عدونا بعضنا البعض، وقد لا يحتاج عدونا إلى سلاح في بعض الأحيان، فبعضنا يؤذي بعضاً، ويعارض بعضنا بعضاً، ويسقط بعضنا بعضاً، ويقتل بعضنا بعضاً، فماذا يصنع عدونا أكثر من هذا أحياناً؟! فالعدو غاية ما يريد أن يقتل المسلم، والمسلم قد يقتل أخاه أحياناً! غاية ما يريد العدو أن يحطم الرموز الإسلامية، والمسلم قد يُحطِّم رمزاً إسلامياً أيضاً! والخلافات قد تستشري وتتحول إلى نوع من الهم الذي يغرق الإنسان فلا هم له إلا فلان، ومحاولة إسقاطه بكل وسيلة، وبذلك نكفي عدونا أنفسنا، ولا يحتاج إلى أن يبذل الجهد لأننا بتناقضنا نحن، وبالمشاكل الموجودة فيما بيننا، أصبحنا كما تقول القاعدة: تعارضا فتساقطا.
أسقط بعضنا بعضاً، وعدونا أصبح مشغولاً بالحصول على المزيد من المكاسب، والمزيد من التقدم، والمزيد من الأمور التي لم يكن ليحصل عليها لو كان يواجه قوة صحيحة.