أيها الأحبة: إننا نحتاج إلى مجتمع كل أفراده عقائديون، ليس فيهم من يكون انتسابه للإسلام انتساباً صورياً، ليس فيهم عضو شرف كما يقال، أو متفرج أو صفر على الشمال، أو مسلم بالمجان، هذا لا يكون ولا يجوز، ولا يجوز أبداً أن نظل نردد كل ما سمعنا خطباً يلم، أو مصيبة تنزل، أو منكراً يقع، أو معروفاً يختفي، أين فلان؟ ماذا عمل فلان؟ أين الشيخ الفلاني؟ أين العلماء أين الدعاة؟ لا؛ بل يجب أن تقول أين أنا؟ والسؤال أنت ماذا فعلت؟ وماذا قدمت؟ وما هو دورك الذي اطلعت به كفرد من أفراد المسلمين؟ نريد منك - بارك الله فيك- المشاركة الإيجابية، ولو بكلمة طيبة، ولو بدعوة صادقة في جوف الليل، بل ولو بخفقة قلب حزين يعبر عن الأسف لمصائب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إن الأمة -أيها الأحبة- تنهار حين تضع مستقبلها في يد فرد واحد، مهما كانت منزلته، بل يجب أن تمارس الأمة وجودها في كل فرد من أفرادها.
ولو تصورنا الأفراد الإيجابين، الذين يمارسون ويؤدون مشاركتهم في هذا الأمة، لو تصورناهم عشرة ملايين فقط من بين مليار مسلم، كما يقال في الإحصائيات الرسمية، فماذا يمكن أن نتصور، كيف يمكن أن تكون الأحوال؟ لو أن كل فرد من هؤلاء الملايين العشرة في رقعة الإسلام من شرقها إلى غربها، لو أنه أشترى في الشهر نسخة من كتاب مفيد، ثم قرأه وأهداه؛ كان معنى ذلك أننا أوصلنا مضمون هذا الكتاب إلى عشرين مليون مسلم، في شهر واحد ولو أنه اشترى شريطاً واحداً فسمعه، وأسمعه أهل بيته، لكان معنى ذلك أن مستمعي هذا الشريط، لايقلون عن خمسين مليون مسلم في أسبوع أو شهر واحد، ولو أنَّ كل واحد منهم خاطب بالدعوة إلى الله تعالى، وساهم بنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة، لدى ثلاثة أفراد فقط، لكان معنى ذلك أننا خاطبنا بالدعوة ثلاثين مليون إنسان في وقت واحد، من الذي يعجز عن ذلك؟! قل لي بالله عليك أي مؤسسة في الدنيا مهما عظمت جهودها، وكثرت وتضخمت إمكانيتها، تستطيع أن تجند مثل هذا العدد الهائل من المراسلين، أو أن تطبع مثل هذا العدد الهائل من الكتب، أو أن توزع مثل هذا العدد الهائل من الأشرطة، أين جهود المؤسسات التنصيرية التي تدعو إلى النصرانية، والمدعومة بالأعداد الهائلة من المنصرين، وبالأموال الطائلة، إن جهودها عند هذا العمل الإسلامي العظيم لا تعد شيئاً مع أن هذا العمل الكبير يمكن أن يقوم بجهودي وجهدك فحسب.
إن طالب المدرسة الابتدائية، يستطيع أن يوفر من ريال المقصف الذي يدفع له يومياً، أربع ريالات في الشهر، يشتري بها كتاباً أو شريطاً يستفيد منه، ثم يدعو به غيره، ولو أن كل مسلم من هؤلاء الملايين العشرة الذين اعتبرناهم إيجابيين، لو أنه أنشأ مشروعاً تجارياً متواضعاً، لا يتعد رأس ماله خمسين ألفاً، لكان معنى ذلك أن المسلمين يمتلكون عشرة ملايين مشروع تجاري، ولما صار المسلمون من الشعوب المتخلفة الفقيرة، بل شديدة الفقر التي أصبح يطلق عليها في هذا الوقت حزام البؤس، وكثير منهم لا يجد قوت يومه، وربما يموت عشرات الألوف من المسلمين جوعاً في مشارق الأرض ومغاربها.
دعنا من هذا كله، لنفترض أن إنساناً لا يريد أن يساهم بهذا ولا ذاك، أو لايطيق هذا ولا ذاك، لدينا أمر آخر، لو أن هؤلاء الملايين العشرة تصورنا أنهم قاموا في جوف الليل في ليلة واحدة، فدعوا الله دعوة صادقة من أعماق قلوبهم، لا يدعونه فيها بطلب دنيا، وإنما يدعون الله تعالى أن يرفع عن المسلمين البلاء الذي يحل بهم في المشرق والمغرب، وأن يفرج عن المسلمين مايحل بهم من الكربات، هل تتصور عشرة ملايين قلب صادق مخبت بعيون دامعة، وألسن متضرعة وأكف مرفوعة يدعون الله تعالى بدعوة واحدة، هل تتصور أن الله تعالى يمكن أن يرد دعاءهم؟ أظن هذا والله من سوء الظن بالله، ولا يمكن إلا أن يكون الله تبارك وتعالى أعلم من بين هؤلاء الملايين العشرة الذين هم صفوة المسلمين، والله أعلم أن يكون من بينهم من لو أقسم على الله لأبره، فأين الدعوات الصادقة؟! وأين القلوب الملهوفة؟! وأين النفوس التي أمضَّها الألم مما أصاب المسلمين ونزل بهم من الأحوال التي يطول عنها الحديث؟! إن الجهد المتواضع الذي يبذله أفراد كثيرون، أجدى على الأمة بكثير من جهد فردي يقوم به قلة من الناس، مهما تعاظم جهدهم ونما، والجهد الذي يقوم به الكثير أعظم بركة وأعظم أثراً وأبقى وأمنع من كيد الخصوم، من الذي يستطيع أن يمنعك من شراء كتاب، أو توزيع شريط واحد، أو مخاطبة فرد واحد بالدعوة إلى الله تعالى؟! لست أنكر يا أخي أننا بدأنا نلمس شيئاً من الإيجابيات التي ندعو إليها، وهذا التفاعل والمشاركة التي نطمح إليها، بدأنا نحس شيئاً من ذلك يجعلنا أن نردد مع الشاعر المسلم محمد إسماعيل قصيدته الجميلة المعروفة التي هي بعنوان: (قبول السماء) والتي يقول فيها: بدأنا نمزق ثوب العدم ونلطم بالحق وجه السدم بدأنا كما بدأ الهالكون إذا السور في جانبيهم ألم بدأنا كما بدأ التائهون رمى الفجر في ناظريهم علم بدأنا كما انتبه الغافلون على صيحة من هدير القمم بدأنا وفينا الأسى والهوان وفينا العذاب وفينا السقم وفينا قبور طوال الأنين عليها الردى ليله مدلهم وفينا الظلام منيف الفساد يعشعش فيه خراب الذمم وفينا الكرامة مرجومة كمحصنة لوثتها التهم وفينا المذلة للغاشمين كأنا ولو لم يشاءوا خدم وفينا النفاق عطور تساق وفي زهرها فاتكات النقم وفينا الجياع وفينا لهم قلوب متيمة بالصمم وفينا التعبد للجائرين نصلي لمن جار أو من ظلم تباركت يا رب، هذا الجحيم من الذل ما كابدته أمم! ولكن يا ترى، متى تصل الأمة المسلمة إلى مستوى كيد عدوها الجاثم في بلادها؟! وعلى أرضها الممسك بخناقها، والمتعجرف الذي لا يعرف إلا الرفض، على حين تعلمت الأمة المسلمة المرونة حتى أصبحت بمرونتها، تستطيع أن تجعل رأسها مكان رجليها.
إن كل يهودي في الدنيا مجند لخدمة إسرائيل، وبذلك تمكنت أن تملك أخطر أسرار الأسلحة النووية، والكيماوية وما يسمى بأسلحة الدمار الشامل، حيث تفيد بعض التقارير الحديثة أن إسرائيل تملك نحو مائتي قنبلة نووية، ولست أدري بالضبط لمن يعدون هذا السلاح، في الوقت التي ترتفع فيه أصوات المنادين بالسلام، لكن المهم على أي حال أنهم جادون في عصر لا يحترم الكسالى، وأقوياء في عصر لا يحترم الضعفاء.
أحبتي: إن من مظاهر البداية الحسنة، أن المجالس أصبحت تعمر كثيراً بالكلام المفيد، والحوار الجاد مهما كان إتجاه هذا الكلام أو ذاك الحوار، لم يعد هم الناس محصوراً في الصيد أو في الرياضة أو في الفن، بل تعدى ذلك وأصبحوا يتكلمون كثيراً بالكلام المفيد النافع، ومن مظاهر تلك البداية الحسنة، تكاثر الأشجار المثمرة في حقل الإسلام، وكلما قطعت شجرة أنبت الله تبارك وتعالى عنها عشراً، حتى قال أحد المناوئين للدعوة الإسلامية، قال هؤلاء كالشيب في الشعر إذا اقتلعت واحدة خرج بدلها عشر.