هذه رسالة أخرى تقول: السلام عليكم ورحمة الله أما بعد فأنا امرأة مطلقة من رجل منذ حوالي ست عشرة سنة، وأتيت من هذا الرجل بنتاً، ثم قدر الله لي أن أتزوج رجلاً آخر، فابنتي كبرت وأصبح أبوها يحضرها لي تزورني، ومنذ ثلاث سنوات تقريباً منعها من زيارتي، وإذا زرتها منع أهلها أن يمكنوني من رؤيتها، ويهدد ويتوعد إن أنتم جعلتموها ترى ابنتها لأغضبن عليكم، ويمنع البنت من مكالمة أمها بالهاتف، فماذا يمكن أن أعمل تجاه هذه المشكلة، مع العلم أنه تقدم لها الخطاب ولكن أباها منعها من الزواج، وأخذ حريتها مع أمها، ويقوم بضربها إن رأت، أو كلمت على أمها هاتفياً ويتوعد على ذلك؟
صلى الله عليه وسلم نسأل الله العافية والسلامة هذا أب ممسوخ القلب، ممسوخ الفطرة، ميت الضمير، عديم الإحساس، من يحول بين البنت وبين أمها! الأم التي فرحت بها، وكأن الدنيا كلها في يدها، يوم وضعت هذه الطفلة الوليدة بين يديها وكانت كما قالت المرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان صدري لها وعاء؛ وحجري لها حواء} ثم لما كبرت وطلق أمها، يحول بينها وبين أمها، ويمنعها من الاتصال بها، ويمنعها من زيارتها، ويمنعها من مكالماتها بالهاتف، أنا والله لا أدري أي مشاعر يعيشها مثل هؤلاء؟! لم أكن أتصور أن قسوة القلوب، وجمود الأحاسيس، تصل بإنسان إلى هذه الدرجة! يعني تحول بين امرأة وبين أمها.
نحن يا إخواني إذا رأينا قطة تموء وتتحرك وتصيح تبحث عن طفلها، الواحد يعطف ويتأثر، فما بالك بإنسان كائن حي مكرم عند الله عز وجل، وله مكانة وله قدر وله منزلة، تحول بين البنت وأمها، من أين سوف تستقي هذه البنت الحنان؟ ومن أين سوف ترضع البنت الخبرة؟ وأين سوف تتعلم أمور الحياة؟ ألا تدري أيها الأب! أن هناك كثيراً من البنات تبلغ هذا السن وتتجاوزه، والله ما عندها من الخبرة أقل القليل، وقد يكون هذا السبب في وقوعها في أمور كثيرة جداً، وعندي من ذلك خبر يطول الكلام به، أن بعض الفتيات تجهل بديهيات في الحياة الزوجية، منهن فتيات لا تعرف قضية الحيض، وما تدري كيف الحيض، ولا أحكام الحيض! وفتيات لا تعرف البكارة، وأنها ميزة للفتاة، وأنه ينبغي المحافظة عليها! لا تدري هذا، ومنهن من لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها، وأمور قد تكون عندي وعندك بديهية واضحة، لكن البنت إذا لم تعلم من أين تعلم فمن سوف يعلم البنت هذه الأمور؟ ثم من سيرضع البنت من طفولتها، ويعلمها في كبرها العطف والحنان والشفقة إذا لم تكن أمها؟ هذا من جهة.
من جهة أخرى هذه الأم من سيسد الفراغ الموجود في قلبها لبنتها؟ للبنت خانة في قلب الأم لا يسدها إلا هذه البنت، فالأم تتطلع إلى بنتها, ووالله إني أعتقد كما قلت قبل قليل، أن أماً محرومة من رؤية بنتها تتألم على بنتها، وتحاول أن تتصل بها بكل وسيلة، ثم يحال بينها وبينها، فترفع دعوة إلى رب العالمين؛ لأنها لا تملك مسألة الذهاب للقاضي، ومسألة الشكوى في كثير من الأحيان تطول وتعرض، ويدخلها مجال لف ودوران، وحيل وألاعيب، وتنتهي أن المرأة أو الإنسان ييأس ويترك الأمر، ولكن هناك باب لا يغلق أبداً، باب رب العالمين، إذا دعت دعوة صادقة وكانت محقة فيها، والله تحيط بك هذه الدعوة، والله يحيط بك، والله قد يحرم الإنسان من أغلى ما يملك، قد يعاقب في دنياه، وقد يعاقب في آخرته، فليتق الله أولئك الآباء، وليعطفوا على أبنائهم، وليتقوا الله تعالى في أنفسهم، فإنهم إن ضروا فإنهم يضرون أنفسهم، وإن أسرفوا فإنما يسرفون على أنفسهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:23] بغيك على نفسك، وظلمك إنما هو لنفسك؛ وإلا فإن الآخرين قد يستطيعون أن يتجاوزوا هذه العقبات، التي تضعها أنت أمامهم، عقبات للأسف الشديد ليست من عدو كاشف عن عدائه، بل من عدو في ثياب الأصدقاء! ومنهم عدو أعظم الخطب قربه له فيهم فعل العدو المفارقِ فاتقوا الله أيها الآباء! راعوا الله تعالى في هذه الأمانات التي وضعها في أيديكم.