الْمَعْلَمْ الثاني: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن العاصي يجب عليه أن يحتسب، بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مثل ما يجب على غيره، فلا يعني وقوعك في معصية أن تعطى صلاحية بأن تقع في معصية أخرى، مثلاً أكل الربا معصية لا إشكال فيه، بل هو كبيرة من الكبائر، وحرب لله ورسوله، فإنسان يأكل الربا ويتعاطى الربا، ورأى آخرين يأكلون الربا، فقال: والله أنا مثلهم (وكلنا في الهوى سوى) فلا يصح أن أقول لهم شيئاً، أقول: لا يجوز هذا؛ بل يجب عليك أن تقول لهم: إنَّ الربا محرم، وإن أكلتم أنتم، وأكلته أنا فهو حرام، فيجب عليه أن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وإن كان هو واقعاً في المنكر، أو تاركاً للمعروف، ولذلك قال بعض حذاق أهل العلم: واجب على من يتعاطون الكئوس، أن ينهى بعضهم بعضا، أي: إنَّ الجماعة الجالسين في مجلس يشربون الخمر لا يقول: خذ هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامر ففي هذا الباب أربعة أمور، أولها: فعل المعروف، والثاني: الأمر به، والثالث: ترك المنكر، والرابع: النهي عنه، وإخلاله بواحد لا يسوغ له الإخلال بآخر.
وهذا الكلام وإن كان يبدوا غريباً لدى الكثير منكم إلا أنه إن لم يكن إجماعاً لأهل العلم، فإنه رأي الجماهير والكافة من أهل العلم من الخلف والسلف فوقوع الإنسان في المعصية لا يعني أنه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يأمر وينهى لكن بالأسلوب المناسب، كما قال الشاعر: ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد؟! وإن كان الأولى والأصل أن الإنسان يبدأ بنفسه، قبل غيره، كما قال تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] وقال الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيره هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل إن وعظت وقتدى بالقول منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم صحيح نحن نقول: اترك المعصية وانه عنها، لكن لا نقول: إذا فعلتها لا تنه عنها، فإذا فعل إنسان المعصية، نقول: انه نفسك وانه غيرك.
فمثال بسيط يوضح القضية ويزيل الإشكال، لو أن أباً ابتلي بشرب الدخان، ثم وجد أن ولده الذي عمره اثنا عشرة سنه أصبح يدخن، أو خمس عشرة سنه، أو ست عشرة، لايقول: والله هذا مثلي لا أستطيع منعه وأنا أدخن، لا! بل يأتي له ويقول: يا ولدى أنا أبوك وأنصح الناس لك! ولا يمكن أن تجد في الدنيا أبر بك مني، وأنا ابتليت بشرب الدخان؛ لأني لم أجد من يوجهني وينصحني، والآن أحاول أن اتركه ولكن عجزت، أما أنت فما زلت في بداية الطريق، فابتعد، واحذر واترك هذا الشيء، ومثله قضية المخدرات، أو أي معصية أخرى يقع فيها الإنسان.
فالْمَعْلَمْ الثاني: الذي يميز العاصي الذي هو على سبيل النجاة والاستقامة، من العاصي الهالك الذي لا حيلة فيه إلا أن يشاء الله، هو أن يقوم العاصي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاحتساب على نفسه وعلى غيره.