Q في نواقض الوضوء، وهو يتعلق بحكم مس المرأة بشهوة، أو بغير شهوة، أينقض الوضوء أم لا؟
صلى الله عليه وسلموهذه المسألة -أيضاً- قد اختلف العلماء فيها.
فمن العلماء من قال: إن مس المرأة ناقض للوضوء بكل حال، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة، واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43] قال: (أو لامستم النساء) قالوا: والملامسة تطلق على اللمس، ولو باليد، بدليل أن هناك قراءة أخرى: (أو لمستم النساء) وفي حديث أبي هريرة في الصحيح، لما ذكر أن ابن آدم كتب عليه حظه من الزنا، ذكر {واليد زناها اللَّمس، أو اللُّمس} فلذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن مس المرأة باليد ناقض للوضوء ولو كان بغير شهوة، وبعضهم قال ينقض إن كان بشهوة؛ لأن مس المرأة بشهوة مظنة خروج شيء منه كالمذي مثلاً.
والقول الراجح في هذه المسألة -والله أعلم- أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة، إلا أن يخرج من الإنسان شيء، فلو مس الإنسان امرأته فخرج منه شيء، فحينئذٍ ينتقض وضوؤه بما خرج منه، وليس بمسه للمرأة، وهذا الحكم الذي ذكرته له أدلة عديدة، منها: حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم [[كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ]] فهذا لمس منه صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه وبشهوة، ومع ذلك كان يخرج فيصلي ولا يتوضأ، وهذا الحديث ورد من طرق كثيرة، أورد منها البيهقي في كتاب الخلافيات عشر طرق، فهو يصح بمجموع هذه الطرق، ولذلك صححه ابن عبد البر وغيره من أهل العلم.
ومن الأدلة على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء: ما روته عائشة رضي الله عنها -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم [[كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة، فإذا قام مدت رجليها، فإذا أراد أن يسجد غمزها فقبضت رجليها، تقول: والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح]] والحديث متفق عليه وفي لفظ للنسائي إسناده صحيح {أنه إذا أراد أن يسجد مسها برجلها} فهذا نص بأنه يمسها برجله من دون حائل، ومع ذلك لم ينتقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم، بل كان مستمراً في صلاته.
ومن الأدلة أيضاً ما رواه مسلم عنها أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في الفراش فخرجت تبحث عنه، فوقعت يدها على قدميه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وهو يقول: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك} فوقعت يدها عليه صلى الله عليه وسلم فلم ينتقض وضوؤه عليه الصلاة والسلام بذلك، هذا مع أن عدم انتقاض الوضوء بمس المرأة هو الأصل الذي لا ينتقل منه إلا بدليل، وهو من الأمور التي تكثر البلوى بها، فإن الرجل قد يقع منه أن يمس امرأته فيأخذ منها شيئاً، أو يعطيها شيئاً أو ما أشبه ذلك، وقد يمسها بشهوة، وهذا كان يحصل من الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أصحابه كثيراً، ومن غيرهم، فالحاجة داعية إلى بيان الحكم في ذلك، فلو كان ناقضاً للوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
يحدثني أحد الشباب، وأبوه ممن يعتقدون بأن مس المرأة ينقض الوضوء بكل حال، فيقول: إن أباه يجد عناءً كبيراً في هذه المسألة، حيث إنه يتوضأ -مثلاً- في يوم العيد، ويلبس ثيابه، ويستعد للخروج من البيت، فيطلب من زوجته أو من غيرها أن تناوله شيئاً من ثيابه أو سواها، فإذا أخذها ومس طرف إصبعه طرف إصبعها بدأ يدعو بالويل والثبور! ثم خلع ثيابه ورجع كي يتوضأ وهكذا، وقال: قد تتكرر منه هذه الحالة مرات عديدة!! فالأمر -إن شاء الله- في ذلك واسع، إلا أن يخرج من الإنسان شيء بمسه للمرأة بشهوة، فحينئذٍ يجب عليه أن يتوضأ لذلك.