نعم الله كثيرة وأعظمها نعمة الدين

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده نبينا ورسولنا محمد الذي بعثه الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] .

إن رحمة الله تعالى لعبيده ببعثه هذا النبي المختار تتجلى في الدنيا وفي الآخرة، فأما رحمته تعالى لنا وللبشرية كلها في الدنيا ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فهي أن منَّ علينا بهذا الدين الذي ينظم جميع شئون دنيانا، سواء في علاقتنا بعضنا ببعض، أو علاقتنا بغيرنا، أو في علاقة الفرد بالمجتمع، أو في علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى، كما منَّ علينا سبحانه بأن بعث هذا النبي المختار صلى الله عليه وسلم يحمل الدين والإيمان الذي من تمسك به يشعر بالطمأنينة والسعادة، كما وعد سبحانه حينما أهبط أبانا آدم إلى الأرض وأمنا حواء، فقال سبحانه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] وتوعد من أعرض عن هذه الهداية بالمعيشة الضنك في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة، فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:123-127] وواعد سبحانه المؤمنين ذكراناً كانوا أو إناثاً أنه سيهبهم الحياة السعيدة في الدنيا فقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] وفي الآية الأخرى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] .

أيها إلاخوة: إن كثيراً من النعم لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من فقدها، ولو نظرنا إلى ما يتمتع به مجتمعنا -والحمد لله- من الاطمئنان والسكينة والهدوء، وقسنا ذلك بما تعانيه الأمم الأخرى، لأدركنا عظيم نعمة الله علينا بالإيمان، هذا ونحن مقصرون ومفرطون، فكيف لو استمسكنا بعروة الله الوثقى؟! وحققنا مدلول الإيمان الحقيقي؟! إذاً لعشنا عيشة كما قال عنها بعض السلف: [[لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف]] إنكم تسمعون بين الفينة والفينة، بل تسمعون في اليوم الواحد أخباراً عديدة عن البلاد الأوروبية وغيرها، في أوروبا أو أمريكا أو روسيا أو سواها من بلاد العالم، التي تعيش في الجاهلية الجهلاء، والتي لم تستظل بظل الإسلام، ولم تستنر بنوره، ولم تقتبس من هدي محمد صلى الله عليه وسلم، تسمعون في اليوم الواحد أخباراً عديدة عن المآسي والمصاعب التي يعانونها، ويكفي أنهم يصدرون إحصائيات انتحار بالدقيقة أو ربما بما دون ذلك أحياناً! إن أي واحد منهم -نظراً لخواء قلبه وفراغ روحه وعدم شعوره بالهدف الذي خلق من أجله- يضيق من الحياة، ويتبرم منها لأدنى مشكلة يمكن أن تعرض له، وهذا وحده يكفي لنعرف عظيم نعمة الإيمان.

إن إيمان الإنسان بالله، وإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه المرسلين، وإيمانه بالقضاء والقدر، لهو نعمة كبرى، تتجلى في الدنيا أولاً، وإذا كان هذا شيء منها فإن السعادة العظمى للمؤمن هي في الآخرة: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم:43] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015