يقول أنس بن مالك رضي الله عنه فيما رواه مسلم وغيره: {إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم} - يعني بذلك ابنه إبراهيم عليه السلام {ثم دفعه النبي صلى الله عليه وسلم - كما يقول أنس في روايته - إلى أم سيف، وهي امرأة كان زوجها قيناً} أي: حداداً يصنع السيوف، فدفعه النبي إليها لتقوم برعايته {ثم ذهب عليه الصلاة والسلام يوماً فاتبعه أنس إلى بيت أم سيف، فلما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو سيف ينفخ في كيره وقد امتلأ البيت دخاناً} قال أنس: {فأسرعت بين يدي رسول الله فقلت: يا أبا سيف أمسك - توقف- فقد جاء رسول الله، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والدخان يملأ البيت، ثم رفع ابنه إبراهيم فقبله عليه السلام.
يقول أنس -في إحدى الروايات-: (والله ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم) {وما أسرع ما نزل قضاء الله تعالى وقدره بإبراهيم، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه أشد الحب، ويضمه إلى صدره ويقبِّله، فأخبر النبي بأن ابنه إبراهيم وجع وأنه يجود بنفسه، فجاء النبي مسرعاً إلى أبي سيف -كما في الرواية الأخرى، وهي في الصحيحين {ثم رفع إليه الصبي فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معه جماعة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن عبادة} ورأى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه، الذي هو فلذة كبده وقطعة منه يجود بنفسه، رآه يموت {فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودمعت عيناه وأجهش فقال له سعد: هذا وأنت رسول الله! فقال له: هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده} ثم أتبعها بأخرى {إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل} .
قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93] ويولد له عليه الصلاة والسلام أولاد وبنات، فيفرح بهم أشد مما يفرح أي أبٍ بولده، ثم يتعهدهم إلى من يحضنهم ويرعاهم، ولا يغفل عنهم صلى الله عليه وسلم على كثرة مشاغله وأعماله، فبين الفينة والفينة، يأخذ من وقته شيئاً يسيراً ليزور أطفاله، ويقبّلهم، ويضعهم في حجره، ويحنو عليهم صلى الله عليه وسلم، فإذا نزل بهم وجعٌ، أو مرض حزن لذلك، فإذا جاءهم الموت بكى، وهلت دموعه على خديه عليه الصلاة والسلام كما رأيتم في مثل هذه الواقعة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشر كما قال عنه ربه {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93] .