الحمد لله الذي جعل نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خير الأنام، وجعله بين إخوانه من رسل الله تعالى وأنبيائه الكرام واسطة عقد النظام ومسك الختام، بأبي هو وأمي عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم السلام.
أحبتي الكرام في هذه الليلة، ليلة الجمعة الثاني عشر من شهر المحرم، لعام ألف وأربعمائة وأحد عشر للهجرة تنعقد هذه المحاضرة، وهي كما سمعتم بعنوان (أطفال في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
ولقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.
حتى كان صلى الله عليه وآله وسلم قدوةً للناس -كلهم أجمعين - في كل شيء قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] .
فإنك إن نظرت إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المبرز، والمقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم.
وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وأحسنهم تعليماً وأفصحهم وأبينهم.
وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يهز أعواد المنابر، ويصل قوله إلى كل سمع، بل إلى كل قلب.
وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وأحسنهم معاشرة، ومعاملة.
وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليماً، وأكثرهم رقة، وعطفاً، وحناناً.
وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع الصنديد، الذي لا يقوم له شيء صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تأتيه من جهة من الجهات إلا وجدته فارسها وسابقها: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله عليه من ربه الصلاة والسلام، وفي درسنا هذا سنقف مع جانب من جوانب شخصيته الكريمة، فيما يتعلق بمعاملته ومواقفه صلى الله عليه وسلم مع بعض الأطفال، ومع بعض الصبيان.
وقد رأيت من باب التغيير والتجديد في العرض أن أبدأ بذكر عدد من المواقف الثابتة الصحيحة له عليه الصلاة والسلام مع بعض الأطفال والصبيان، ثم أثني بذكر بعض الدروس والعبر من هذه المواقف.