Q ما رأيكم في بعض الكتب التي طرحت في الساحة، وتتكلم عن بعض الدعاة، وبعض الجهود، وبعض الأشياء؟
صلى الله عليه وسلم أقول تعليقاً على ذلك أولاً: سبق أن طرحت سؤالاً، لماذا نخاف من النقد؟ لندع الناس خاصةً المخلصين، يمارسون النقد الهادف البناء، لأنفسهم ولغيرهم ولجميع الجهود، فإن الجهود التي يقوم بها الدعاة إلى الله تعالى والعلماء، ليست جهوداً شخصيه يملكونها هم، وإنما تملكها الأمة، فهي ملك للأمة، فمن حق الأمة أن تنقدها وتقومها، فتبين ما فيها من الخير، وتذكر ما فيها من الخطأ وتدعو إلى تلافيه وإلى استدراكه، وأنت لا تستطيع أن تكمم أفواه الناس ولو سكت القريب لم يسكت البعيد، ولو سكت هذا لم يسكت ذاك، وأنت تعلم أنه منذ زمن جاء أحد الأشخاص وكتب مجموعة كتب عن الدعاة، خصصها بأسمائهم، ونال منهم، وتكلم عنهم، واستطاع أن ينشر من خلال الكتاب والشريط مئات الألوف من هذه الكتب، فأنت لا تستطيع أن تسكته، بل المنابر ووسائل الإعلام مشرعة، لمثل هؤلاء أكثر من غيرهم.
ثانياً: ماذا يضرك إذا كنت تسير على طريق صحيح، وعلى صواب، وتتمسك بدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وتعلم في قرارة نفسك أنك لا تدعو إلى باطل، وأنك لا تدعو إلا إلى الكتاب والسنة لا غير، ولم يسمع منك الناس ولا عرفوا منك غير هذا؟ فما يضيرك أن يقال فيك ما يقال، إن كان حقاً يجب أن تأخذه، وإن كان باطلاً فلا يضيرك ما دمت تعلم أنه ليس واقعاً، ولا موجوداً فيك.
أنا أوافقك أن النقد يجب أن يكون متسماً بالإخلاص، والصدق، والموضوعية، والعدل، وعدم تبادل التهم، وعدم السباب، إلى آخر ما يمكن أن تقول في رسالتك من المواصفات والشروط التي نوافقك عليها جميعاً، لكن تقييم هذا العمل أو ذاك، أنه عمل موضوعي أو غير موضوعي، ملتزم بآداب النقد أو غير ملتزم، مما لا أستطيع أنا أن أقوله، يستطيع غيري من الناس أن يقولوه، لكن لا أستطيع أنا أن أقول هذا الشيء أمر آخر من هو الذي يستطيع أن يقول إن النيل مني يضر بالدين!! هذا استكبار، أنا وأنت والمجاهد الفلاني، والداعية الفلاني، والزعيم الفلاني، ما نحن إلا أناس على هذا الطريق الطويل الذي قيض الله له من يخدمونه ألوفاً في الماضي والحاضر والمستقبل، وربما يعرف الإنسان في نفسه من الضعف، والعجز الشيء الكثير الذي يجعله لا يمكن أن يستكبر، فيقول إن النيل مني -مثلاً- نيل من الدين, لا أبداً، الأشخاص يذهبون ويأتون، فالمهم الدين والإسلام والدعوة إلى الله عز وجل فإذا كان هذا ينال من الدين أو من الدعوة، هذا أمر، أما أن تقول: ينال من فلان أو من علان، أو يضر به، هذا لا يضير شيئاً يا أخي، لماذا تكون نظرتي ونظرتك قاصرة؟ لماذا لا تكون نظرتنا بالدرجة الأولى أخروية؟ إن المقياس عند الله تعالى إذا كان شأنك عند الله عظيماً وكان الله تعالى راضياً عنك فما يضيرك أن يطبق الناس على غير ذلك، حتى المقياس الدنيوي ينبغي أن تدرك أن الأمور لا تقاس بفترة، أو بلحظة، وكثير من الأمور قد تثور وتتحرك، ويتكلم الناس عنها، ويتداولونها، ثم بعد ذلك تموت؛ لأنه لا يوجد ما يدعمها، فهي قضايا لا تعني الناس، أو تهمهم في دينهم، أو دنياهم، بل هي قضايا قد تكون مفتعلة، ولذلك لا بقاء لها، ولا خلود لها أقول: هذا قد يكون أحياناً.
وعلى كل حال أنا أعجب لماذا يوجد في قلوب ونفوس كثير من الشباب حساسية من النقد؟! صحيح أن النقد غير البناء ربما أثر، لكن ينبغي أن نتعود على النقد، وإذا خيرنا بين أمرين: إما أن يوجد نقد غير بناء، بل هو نقد قد يحمل فيه شيء من الاعتداء، والظلم والبغي، وبين ألا يوجد نقد بالكلية، فنحن نفضل أن يوجد النقد غير البناء، على ألا يوجد نقد بالكلية، وأفضل من هذا وذاك أن يوجد نقد ملتزم بضوابط الكتاب والسنة، لا بغي ولا عدوان ولا ظلم ولا سوء ظن ولا اتهام، بل قول الحق والنصيحة التي يقبلها الجميع، وتجتمع عليها القلوب، وتشرئب إليها النفوس، وتكون سببا في وحدة الصف واجتماع الكلمة.
أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.