نعود بعد ذلك إلى أبعاد الموضوع من المسائل المهمة وأذكرها باختصار: أبعاد الحرب، الحرب الآن في البوسنة والهرسك لكن إلى جوارها إقليم كوسوفو الذي يحتله الصرب، وفيه أكثرية من المسلمين الألبان، في هذا الإقليم اغلق الصرب ثمانٍ وعشرين مدرسة ابتدائية كان يُدَرَّس فيها أربعون ألف طفلٍ مسلمٍ، وأغلقوا خمسين مدرسة إعدادية كان يدرس فيها ستون ألف مسلمٍ، أيضاً، وقاموا بفصل أكثر من ثمانمائة وخمسين بروفسوراً عن العمل وسَرَّحوهم، وسجنوا ما يزيد عن مائتين وأربعين مدرساً.
وإزاء مثل هذا الابتزاز قام المسلمون بمظاهرات سلمية، قوبلت بحشود كبيرة من الشرطة، وفُرَّقَت بالمياه الحارة وأطلقت عليها النيران، وضُرِبوا، واعتقل منهم أعداد وقتل منهم من قتل، ولذلك تقول تقارير مؤكَّدة أن المسلمين في كوسوفو الآن يجمعون السلاح، وقد قاموا باختيار رئيس من بينهم بصورة سرية وأنهم يستعدون لخوض معركة مع الصرب داخل صربيا فيما يسمى بإقليم كوسوفو الذي يسكنه المسلمون الألبان.
وهناك إقليم أخر هو إقليم السنجق، وهناك أقليات أخرى متفرقة في الجبل الأسود وفي كرواتيا وفي صربيا وفي غيرها.
وإلى جوار هذا كله توجد ألبانيا التي يسكنها المسلمون، وهي دولة إسلامية ظلت تحت الشيوعية زماناً طويلاً، وقد وجدت فيها الآن صحوة إسلامية جيدة، وفيها أحزاب إسلامية تستعد الآن لمواجهة عسكرية مع أعداء الإسلام، وبناءً عليه تقول تقارير أصدرتها المخابرات البريطانية وقرأت شيئاً منها في الصحف تقول: (إن هناك احتمال كبير أن تتحول جزيرة البلقان كلها إلى بحر من الدماء وإلى مواجهة شاملة، وقد تضطر تركيا إلى التدخل، وإزاء ذلك فقد تتدخل دول أخرى كثيرة في مثل هذه المواجهة) وبناء على ذلك؛ فإننا لا نستغرب أن يسعى الغرب إلى المسارعة في حل مشكلة المسلمين في البوسنة والهرسك بأي وسيلة، وأن يقوم بتقسيم البوسنة إلى كانتونات: واحد منها للصرب البوسنويين، وآخر للكروات البوسنويين، وثالث للمسلمين في المنطقة، ويكون ذلك قليلاً ومحصوراً، وقد يسعون إلى غير ذلك من الصور.
المهم أنهم يخافون أن يتفاقم الأمر، وتنتهي الحرب إلى حيث لا يتوقعون.
بمقابل ذلك يقول بعض الباحثين والمراقبين المسلمون: إننا نرجو أن يكون هذا بداية للوعد النبوي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حينما تكلم عن دخول المسلمين إلى روما، فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي المدينتين تتفتح أولاً قسطنطينية أم رومية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم {مدينة هرقل تفتح أولاً} ومدينة هرقل هي القسطنطينية، وقد فتحت في القرن الثامن، ثم عادت القسطنطينية اليوم تحكمها العلمانية، والغريب في الأمر أن المسلمين رجعوا أدراجهم على بعد أميال من روما، ولو تمكن المسلمون وانتصروا في بلاط الشهداء لدخلوا روما، ولكن قيل لهم: ارجعوا فقد كتب الله لكم أن تذهبوا إلى هناك وتفتحون القسطنطينية ثم بعد ذلك تعودوا لتفتحوا روما، كما وعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الترتيب النبوي لا يمكن أن يتأخر؛ لأن الحديث صحيح.
فبناءً عليه: المسلمون ينتظرون فتح روما، وفتح روما لن يتم في مثل الظروف الحالية، إنما يكون وسط قوة للمسلمين وتمكين لهم، وسيتم وسط اضطراب عالمي، أو تأخر للقوة والحضارة التي يملكونها الآن، ولا مانع أن نتصور أن بداية المواجهة ولو بعد عشر أو عشرين أو خمسين سنة ستكون نهايتها دخول مسلمين فاتحين إلى أرض روما وإلى أرض أوروبا التي تتوجس منهم خيفة، ونقول: حق لها أن تخاف منهم؛ فإن هذا هو الأمل الذي يحلمون.
وعلى رغم تلك الضربات القوية؛ فإنهم لا يزالون يناضلون ويصابرون وينتظرون وعد الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] إذاً هذه بعض أبعاد الحرب، ونسأل الله تعالى أن يكون ذلك كله فلكاً يدار لصالح الإسلام.