هذا مثلاً موقف أمريكا والذي يحدث في البوسنة والهرسك ليس حرباً بين المسلمين والصرب، ولكنه حرب بين الإسلام والنصرانية، وهكذا يجب أن نفهمها، إنها حرب يوقدها الغرب كله ضد العالم الإسلامي، وإن كانت تظهر أحياناً بأشكال مختلفة، إن العالم الإسلامي يجب أن يتعامل مع الحرب على هذا الأساس، وأن يدرك أن الغرب كله يقف مع الصرب ضد المسلمين.
هناك توزيع للأدوار حتى تنطلي الخدعة علينا وتتحقق الأهداف المشتركة، -فمثلاً- تعددت الإعلانات بأن شركات غربية عديدة -بريطانية وفرنسية وألمانية- تساهم مساهمة فعالة في فك الحصار عن يوغسلافيا، وإيصال ألوان الأسلحة والسلع إلى الصرب من مختلف جهات العالم، وتتولى الشركات الأوروبية شرقيها وغربيها مهمة إغراق السوق اليوغوسلافية بالبضائع، وعملية الحصار الاقتصادي على الصرب لا تعدو أن تكون كذبة إعلامية كبيرة، هذا جانب من المؤامرة.
(جانب آخر) بينما أعلنت واشنطن أنها حصلت على معلومات جديدة تؤكد اعتقال ثلاثة آلاف مسلم في معسكرات الصرب، أي: أنها اكتشفت معسكرات جديدة، في الوقت نفسه أعلن لورانس وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة أن الولايات المتحدة سوف تؤيد وتدعم طلب ميلان بانتش رئيس الوزراء اليوغوسلافي في مجلس الأمن، الذي يطالب بالسماح ليوغسلافيا باستيراد السلع الإنسانية، ولاسيما وقود التدفئة من أجل الشتاء القادم إلى صربيا، ونقلت وكالة (تان يوجا) الصربية عنه قوله بعد اجتماعه مع مالتش: إن المساعدة الأمريكية تعتبر عملاً إنسانياً محضاً.
نعم أمريكا تتظاهر بالإنسانية، وتقول: إنها تسعى إلى إنقاذ البشر في صربيا من أذى البرد، ولذلك تسعى إلى إزالة ما يسمى بالحصار الاقتصادي عليهم والسماح باستيراد السلع الإنسانية.
هذه المشاعر الأمريكية الفياضة تجاه الصرب تتعامل مع مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك بحسابات سياسية باردة، تتوخى المصلحة الأمريكية في المقام الأول! وقد اعترف بعض من صحت ضمائرهم من الأمريكان -أنفسهم أو صحوا من غيبوبتهم- اعترفوا بذلك، هذا جورج كيني نائب رئيس مكتب يوغسلافيا سابقاً بوزارة الخارجية الأمريكية والذي استقال من منصبه في وقت سابق، احتج على الموقف الأمريكي وقال -واسمع هذه الاعترافات- يقول: (إنني أؤمن تماماً بأن الإدارة الأمريكية قد اتخذت قراراً جوهرياً على أعلى المستويات بعدم التدخل العسكري، لاعتقادها بأنها ستكسب سياسياً أكثر من عدم التورط في نزاع أجنبي شديد الفوضى) نعم! تنظر الإدارة الأمريكية إلى مكاسبها السياسية فحسب من أشلاء ودماء المسلمين في البوسنة والهرسك، والاعتداء على نسائهم؛ وانتزاع حليب الأطفال منهم، ولا تتدخل إلا بدوافع مصالحها السياسية، أما في صربيا فهي تتدخل لإنقاذ يوغسلافيا من صقيع الشتاء القادم بدوافع إنسانية.
ويمضي جورج كيني هذا المستقيل قائلا: (إن ما يثير غضبي بشأن تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة في يوغسلافيا، هو أنها لا تريد حقاً أن تعرف الرعب القائم هناك؛ لأننا كلما عرفنا المزيد كلما تضاعف الضغط علينا، وأجبرنا على التصرف، وعلى مدى شهور وجدت اهتمام الخارجية الأمريكية قليلاً جداً لمعرفة المزيد عن الموت والجوع وعن القصف الصربي وعن الإبادة العرقية) .
ثم يقول: (إن المدخل الأمريكي إلى الأزمة هو نموذج للاسترخاء، ومنذ العلاقات الأولى لتفكك يوغسلافيا سابقاً، أوضحت الإدارة الأمريكية بشكل متكرر أنها لن تتدخل عسكرياً للسيطرة على الأزمة، مما أعطى الضوء الأخضر لسفاحي الصرب أن ينفذوا خططهم لإقامة دولة صربيا الكبرى بعدما يتم تنقيتها عرقياً، وكل ما اتبعته أمريكا تجاه موقفهم هو الدبلوماسية العاجزة) ثم يمضي (جورج كيني) قائلا: (إنني أعتقد أن الإدارة الأمريكية ببساطة لا يعنيها شأن البوسنة برغم كل الكلمات المعسولة التي تستخدم في التصريحات، بل على العكس من ذلك - لاحظ الكلام - بل على العكس من ذلك قد يكون ما يحدث يتلاءم مع أغراضهم) انتهى كلامه.
أي: إن هذا الرجل يشير إلى وجود تواطؤ أمريكي صربي ضد المسلمين.
إن ما يحدث في البوسنة والهرسك على الرغم من أنه من أسوأ الجرائم في التاريخ إلا أنه لم يحرك ساكناً في العالم الإسلامي.
والأمر الآخر: أن المعونات الإسلامية تصل أحياناً إلى الصرب! وهذا جانب من تعاون الشركات والمؤسسات الغربية مع الصرب وتحالفها وتواطئها معهم، وإن المعونات الإسلامية تصل إلى أيدي الصرب وقد كشف عبد الرحمن آدمي وهو ممثل مسلمي يوغسلافيا في تركيا عن مأساة جديدة يتعرض لها المسلمون في البلقان قال: (إن المعونات المرسلة للمسلمين عن طريق جمعيات الهلال الأحمر تصل إلى أعدائهم وأنهم وجدوا لدى الأسرى الصرب معلبات مرسلة من دول إسلامية عن طريق الهلال الأحمر) وأكد عبد الرحمن أن هذه المساعدات ضلت طريقها؛ حيث تسلمتها جهات أخرى قامت بتسليمها للصرب.
ولعله ليس سراًَ أن جريدة الشرق الأوسط نشرت منذ ما يزيد على شهر أن الإعانات التي دفعتها هذه البلاد للمسلمين في البوسنة قد استلمتها جمعية ألمانية ذات خبرة -زعموا- في عملية توزيع الإعانات، استلمتها هذه الشركة لتقوم بإيصالها إلى المسلمين هناك.
إذاً هذا جانب من موقف الغرب.